هبّة نفق الأقصى.. جرح لا يندمل بمنازل شهدائها

515 ‎مشاهدات Leave a comment
هبّة نفق الأقصى.. جرح لا يندمل بمنازل شهدائها

أسيل جندي–القدس

لم يُدفن ألم ذوي الشهيد المقدسي إبراهيم أبو غنام (19 عاما) رغم مرور 22 عاما على رحيله في هبة النفق، التي اندلعت في 25 سبتمبر/أيلول 1996، وذلك بعد إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلية على فتح باب النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك، في فترة حكم بنيامين نتنياهو الذي كلّف رئيس بلدية الاحتلال آنذاك إيهود أولمرت بافتتاحه.

في منزلها ببلدة الطور القريبة من المسجد الأقصى، استقبلت عائلة الشهيد الجزيرة نت لتروي أحداث تلك الهبة، التي استمرت ستة أشهر ارتقى خلالها مئة شهيد فلسطيني، وأصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.

والد الشهيد المسن علي أبو غنام (75 عاما) كان الأكثر تأثرا، ورغم محاولته تمالك نفسه أثناء حديثه عن قصة ابنه، إلا أن مشاعره كانت هشة، ولم تسعفه لإخفاء دموعه التي ذرفها مع إجابته عن كل سؤال جديد وهو يحدق في صورة نجله المثبتة على أحد جدران غرفة الجلوس.

مرور 22 عاما على استشهاد إبراهيم لم تدمل الجرح في قلب والده (الجزيرة)

يقول والد الشهيد “اندلعت الهبة يوم الأربعاء واستشهد إبراهيم في ساحات الأقصى الجمعة بعد انطلاق الهبة بيومين، لم أتوجه للصلاة في المسجد ذلك اليوم، ووردتنا اتصالات عدة أن المواجهات حادة بالأقصى وهناك جرحى، لكن لم يخطر ببالنا أن ابننا من بينهم، ثم جاءنا الخبر اليقين أن إبراهيم من بين المصابين”.

انطلق وزوجته مشيا على الأقدام باتجاه مستشفى المقاصد، التي تستقبل عادة الجرحى في المواجهات، وفي طريقهم إلى هناك أخبرهم أهالي البلدة أن إبراهيم ارتقى شهيدا، وهرّب الشبان جثمانه إلى مقبرة بلدة الطور، خوفا من اختطافه على يد قوات الاحتلال.

“غيرنا مسارنا باتجاه المقبرة ولحظة وصولنا كان الشبان يستعدون لإغلاق القبر.. كان المشهد قاسيا، لكن خشيتنا من اختطاف الجثمان جعلتنا نودعه خلال لحظات، ثم ووري الثرى”.

استشهاد إبراهيم في ساحات المسجد الأقصى علّق قلب والده بالأقصى أكثر، فمنذ ذلك الحين لم يتخلف عن أداء صلاتي الظهر والعصر فيه، بالإضافة إلى حرصه على أداء صلاة التراويح طيلة شهر رمضان، وعن ذلك قال “في الجمعة التالية لاستشهاده ذهبت للمسجد الأقصى ووقفت مطولا في المكان الذي ارتقى فيه، وما زلت أواظب على الصلاة قربه حتى اليوم”.

والدة الشهيد: قسوة غياب إبراهيم أنهكتني جسديا ونفسيا (الجزيرة)

ليلى أبو غنام والدة الشهيد قالت إن قلبها انفطر حزنا على فراق نجلها، وما زالت تفاصيل طفولته لا تغادر مخيلتها، وتحدثت عنها قائلة “إبراهيم كان لاعب كرة قدم محترفا وشابا هادئا يحبه الجميع.. قسوة غيابه الأبدي أنهكتني جسديا ونفسيا”.

رفض الوالدان التفريط في الملابس التي استشهد فيها إبراهيم، واحتفظا بجواربه وحذائه الرياضي الذي كان يرتديه، وعندما جلبت الأم الكيس البلاستيكي الذي يحتوي على حاجاته وضعته بتجاعيده الكثيرة بحذر على الأرض، وكأنها تحمل طفلا تخشى ارتطامه بقوة بأرضية صلبة.

يراقب هذه المشاهد شقيق الشهيد الأكبر موسى أبو غنام (47 عاما) الذي استقبل إبراهيم في المستشفى بحكم عمله هناك بقسم المحاسبة، وقال للجزيرة نت “كافة موظفي المستشفى يتجندون للمساعدة في حالات الطوارئ، نقف عند قسم الطوارئ، ننظم دخول السيارات التي تقل الجرحى، ونساعد في نقلهم للطوارئ أو العمليات فورا، لاحظتُ تهامس الموظفين ومحاولتهم إبعادي عن أسرة الجرحى”.

موسى شقيق الشهيد فوجئ بجثمانه في المستشفى الذي يعمل فيه (الجزيرة)

همس أحدهم لموسى أن شقيقه إبراهيم مصاب، فهرول لسريره ووجده جثة هامدة، وأخبره الأطباء أنه فارق الحياة قبل وصوله للمستشفى، ورغم هول الصدمة اضطر للتصرف سريعا بنقل الجثمان مع الشبان إلى المقبرة، وبعد ساعات من دفن إبراهيم بقبر عشوائي عاد موسى وبقية أفراد أسرته فجر اليوم التالي وحفروا قبرا خاصا بإبراهيم ودفنوه فيه. وقال والده عن تلك اللحظة “رأيت جرحا عند قلبه، وعندما وضعت يدي عليه أدركت كم هو غائر، وأفادنا الأطباء بأن إصابته كانت مباشرة بالقلب من خلال قناص”.

قبل مغادرة منزل عائلة أبو غنام استذكر الوالد المسن المواجهات العنيفة، التي اندلعت على مدار ثلاثة أيام آنذاك بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، التي قامت بإخلاء ساحات الأقصى وإغلاق جميع أبوابه، فور انتفاض الفلسطينيين نصرة لمقدساتهم، ورفضا لافتتاح النفق الذي بدأت الحفريات فيه عام 1970.

المصدر : الجزيرة