ربع قرن على أوسلو.. أطلال مطار غزة تستقبل القمامة

1183 ‎مشاهدات Leave a comment
ربع قرن على أوسلو.. أطلال مطار غزة تستقبل القمامة

بعد 25 عاما على “اتفاق أوسلو “المعروف رسميا باسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي” الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل تحول مطار ياسر عرفات الدولي في غزة الذي جسد رمزا لآمال الفلسطينيين في الاستقلال بعد الاتفاق إلى مكب للنفايات بعد أن سواه قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي المتكرر بالأرض.

تغير المشهد كليا عما كان عليه الحال في يونيو/حزيران 1996 حيث حطت طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات على أرض المطار الذي افتتح رسميا في ديسمبر/كانون الأول 1998 بحضور الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون وعقيلته هيلاري، يومها كان الفلسطينيون يأملون أن يؤدي اتفاق أوسلو إلى قيام دولتهم بعد خمس سنوات.

ولم يكن أحد من الحاضرين يوم افتتاح السلطة الفلسطينية المطار الواقع قرب الحدود المصرية والإسرائيلية شرق معبر رفح يعتقد أن الحلم المنجز سيتبخر سريعا ويتحول إلى أطلال.

وتشهد على ذلك الهياكل الخرسانية التي لا تزال من بقايا قاعات الوصول والمغادرة وأكوام ركام تتوسطها حفر كبيرة ناتجة عن القصف الجوي الإسرائيلي الذي استهدف المكان مرارا، فبعد مرور عامين على زيارة كلينتون اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي قتل فيها آلاف الفلسطينيين، واستمرت خمس سنوات.

وفي عام 2001 قصف الاحتلال الإسرائيلي المطار، مما ألحق أضرارا به، ثم عاود ذلك أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عامي 2008 و2009 والأعوام التي تلتهما.

واستغل أشخاص وصفوا بالغوغائيين حالة الفوضى التي سادت إثر الانقسام الفلسطيني عام 2006 لسرقة محتويات ومعدات من المطار، من بينها أجهزة الرادار وبرج المراقبة الجوية والأثاث، واقتلعوا حجارة الأرصفة وشبكات الكهرباء والمياه، مما حول المدرج الرئيسي الى أرض قاحلة، ومنذ ذلك الحين لم تقلع أي طائرة من المطار أو تحط فيه أي منذ نحو عشرين سنة.

صورة أرشيفية لمطار غزة حيث كانت الحركة تدب فيه قبل أن تستهدفه إسرائيل (الجزيرة)

علامات الحرية
وعما يمثله المطار من رمزية قال نبيل شعث مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية والذي رافق كلينتون في الرحلة إلى غزة آنذاك إن “المطار والميناء لم يكونا مجرد علامات على السيادة، بل كانا علامة على الحرية، كانا سيحرراننا من سيطرة إسرائيل الكاملة على كل من يأتي من وإلى فلسطين“.

ووفق المخطط كان من المفترض أن يستقبل المطار سنويا 750 ألف مسافر، لكن قلة من الناس هي من تزور المكان أغلبها للتحسر على ما تبقى منه على أمل إحيائه من جديد، في حين يمر مئات الفلسطينيين عبر الطريق الرملي المحاذي له في كل يوم جمعة للمشاركة في احتجاجات “مسيرات العودة” التي بدأت منذ أشهر قرب الحدود الشرقية لرفح مع إسرائيل.

أما المدرج الرئيسي -الذي طوله 3800 متر وعرضه ستين مترا- فبات مملوءا بالقمامة التي تنقلها أحيانا عربات تجرها حمير من الأحياء الفقيرة المجاورة.

وأكثر المتألمين من واقع المطار -الذي شيد على مساحة نحو 2800 دونم بتكلفة 22 مليون دولار وبتمويل دول عديدة في العالم- هم أولئك الموظفون الذين سهروا على بنائه. 

رئيس مهندسي المطار ضيف الله الأخرس واحد من هؤلاء حكى لوكالة الأنباء الفرنسية جانبا من تاريخ هذا المكان، وقال إنه بكى بكاء شديدا عندما رأى المكان مدمرا.

وأضاف الأخرس “بنينا المطار طوبة طوبة ليكون رمز السيادة الأول، الآن لا ترى فيه سوى دمار وخراب”.

نبيل شعث: مطار وميناء غزة كانا سيحرراننا من سيطرة إسرائيل الكاملة على كل من يأتي من وإلى فلسطين (رويترز)

طائرتان صغيرتان
واستضاف المطار أول شركة طيران فلسطينية كانت تملك طائرتين صغيرتين من نوع “فوكر”، إضافة إلى طائرة بوينغ 727 تتسع لـ145 راكبا.

وبينما كان يعمل فيه نحو 1200 موظف مدني وأمني كان هناك وجود محدود للأمن الإسرائيلي في المطار لمراقبة جوازات السفر والحقائب. 

وبشيء من الحسرة روى منسق سلطة الطيران الفلسطينية في قطاع غزة زهير زملط (55 عاما) بعضا من تاريخ تشييد المطار.

وقال “شهدت بناء المطار منذ أن كان عبارة عن كثبان رملية وحتى افتتاحه رسميا بحضور دولي، يا لحسرتنا، المطار كان يعج بآلاف المسافرين ويستقبل رؤساء العالم، حولوه إلى مكب نفايات، إنها مصيبة المصائب”.
    
وأثناء إعداد التقرير بمرافقة زملط داخل ما تبقى من المطار كان عدد من الشبان يفتتون بواسطة آلات حادة أعمدة الإسمنت المسلح للحصول على حجارة وقضبان حديدية لبيعها، وعند أطراف المطار كانت سيدتان من البدو ترعيان الأغنام.

بقايا مباني ومرافق مطار غزة الدولي الذي دمرته قوات الاحتلال بدءا من عام 2001 (الجزيرة)

الذكريات الجميلة
وقال منسق سلطة الطيران “هنا كنا نستقبل الرؤساء وزعماء العالم، هنا كانت صالة كبار الشخصيات، هنا كان آلاف المسافرين ينتظرون السفر، كل شيء دمر”.

وأضاف “مسحوا الذكريات الجميلة، المطار أصبح موقع خراب ومكب نفايات”.

وبالنبرة نفسها قاطعه غازي غريب (67 عاما) الذي كان يشغل منصب مسؤول العلاقات العامة والدولية قائلا “أشعر بأن المطار أحد أبنائي وقد مات”، مبينا أنه بفضل اتفاق أوسلو بني المطار، وقال “الإسرائيليون راهنوا على أن بناء المطار يحتاج إلى سبع سنوات، لكن أبو عمار (ياسر عرفات) بناه في ستة أشهر، كان معجزة”.

وأضاف غريب -الذي يعد كتابا بعنوان “فلسطينيون فوق السحاب” حول تجربة المطار- “قتل الحلم”، لكنه استدرك “من بنى المطار يمكنه إعادة بنائه، لكن تحقيق الحلم سيبقى بعيدا ما بقي الانقسام”.

وفي السياق نفسه، يعتقد زملط أنه “بالإمكان إعادة بناء المطار خلال ستة أشهر حال توفر القرار”، في حين أضاف أستاذ العلوم السياسية جمال الفاضي أن إعادة الأمر “بحاجة لعودة العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية وإنهاء الانقسام بين فتح وحماس وضرورة الاستقرار السياسي، وهذا يبدو بعيدا”.

المصدر : الجزيرة,الفرنسية