تتواصل التصريحات والانتقادات والشجب والاستنكار للعملية الإرهابية التي ضربت مدينة نيس في فرنسا بشكل مثير للتساؤلات، وكأنها العملية الإرهابية الأولى في التاريخ.
يبدو أن الأمور ستظل على هذا المنوال إلى أن تتوحد الجهود عمليا لمكافحة الإرهاب، بعيدا عن الكيد والمعايير المزدوجة واستخدام الإرهابيين كأدوات لتحقيق مصالح.
وبعيدا عن الشجب والاستنكار والانتقاد لأنهم لن يعيدوا القتلى من الأطفال والنساء، ولن يعوضوا دافعي الضرائب عن خسائرهم المادية، فقد علَّق رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي لشؤون العلاقات الخارجية أليكسي بوشكوف، على حادق نيس، بأن القارة الأوروبية قد شهدت خلال 6 أشهر الأخيرة ثلاثة أعمال إرهابية كبيرة في (باريس وبروكسل ونيس). ورغم أن زعماء الدول الغربية يدلون بتصريحات ويرددون كلمات تنديد واستنكار إلا أن الوضع لم يتغير. وذلك بسبب أن هؤلاء الزعماء يعودون إلى ألعابهم الجيوسياسية، وإلى سياساتهم التي يطلقون عليها اسم “سياسة ردع روسيا”. إلا أن سياسة الردع هذه يجب أن تكون موجهة ليس ضد روسيا بل وإنما ضد الإرهاب الدولي.
هذه الرؤية الواقعية والعقلانية، البعيدة عن الرياء السياسي، قادت إلى الفكرة الإنسانية – العملية الطبيعية، والتي جاءت أيضا على لسان بوشكوف، بقوله إن “الاستنتاج الأكثر أهمية الذي يجب الخروج به مما يحدث الآن في العالم يتلخص في ضرورة التحول من أقوال الشجب والاستنكار إلى الأفعال المحددة المشتركة ضد الإرهاب على المستوى العالمي”.
هكذا أيضا جاءت تعزية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره الفرنسي، حيث دعا إلى توحيد الجهود الدولية من أجل مكافحة الإرهاب، و”أكد على أن الانتصار على هذا الشر البشع يتطلب توحيد جهود البشرية المتحضرة ومكافحة كافة مظاهر وأشكال الإرهاب بحزم، وتصفية أو تحييد المسلحين والعقول المدبرة لهم أينما وجدوا، وتدمير البنى التحتية للإرهاب بشكل منتظم ووقف تمويله”.
أما رئيس الحكومة الروسية دميتري ميدفيديف فقد أدلى بتصريحات حادة في هذا الصدد، أثناء كلمة ألقاها خلال اجتماع منتدي “آسيا – أوروبا” الذي انطلق في العاصمة المنغولية أولان باتور. إذ أكد على أن “الإرهاب ليس له حدود، وهو يشكل تحديا عاما لأوروبا ولآسيا على حد سواء، وعلينا أن نبحث معا عن الرد على هذه التحدي ونبدي التضامن ونتخذ كل ما يتوقف علينا لمكافحة الإرهاب، أخذين بعين الاعتبار أن الإرهابيين لا يفهمون إلا القوة فقط، وعلينا أن نستخدمها ضدهم”.
في الحقيقة، من الصعب مكافحة الإرهاب بشكل منفرد، لأنه أصبح عبارة عن ظاهرة متسلسلة ومعقدة للغاية، ولديها دعم لوجستي ومالي وعسكري ومعلوماتي بنتيجة الصراعات الدولية وظهور دول داخل الدول تمثلها أجهزة مخابرات واستخبارات في الظل وخلف الكواليس، وصراعات جيوسياسية تغلب فيها مصادر الطاقة وطرق نقلها دورا خطيرا. إضافة إلى أن بعض الدول الصناعية الكبرى، أصبح لديها فائض ضخم من الأموال والقدرات المادية، وترغب بفتح مناطق جغرافية جديدة – أسواق واسعة – لتشغيل فوائض القيمة المتراكمة في الدول الصناعية الكبرى.
إن الشرطة الفرنسية وأجهزة الأمن في هذا البلد بحاجة إلى إعادة هيكلة، وإعادة تأهيل. وعلى الرغم من أنها مشكلة داخلية، إلا أن نتائجها تنعكس على دول كثيرة، ومواطني دول مختلفة يزورون فرنسا ويعيشون فيها. أي أن أزمة افرنسا الأمنية الداخلية تنعكس، شئنا أم أبينا، على أرواح مواطني الدول الأخرى، ومواطني الدولة الفرنسية الذين يدفعون الضرائب لكي تحميهم الدولة في المقام الأول، وتحسب حساباتها عندما تستعرض عضلاتها العسكرية خارج أراضي البلاد أو تتورط في صراعات خارجية، أو تضع نفسها رهن إشارات وضغوط من قوى أخرى، وتبدد ضرائب مواطنيها لا على حمايتهم وتنمية مدنهم ومستقبل أولادهم، بل على زيادة ميزانيات التسليح واستعراض العضلات العسكرية في هذا البلد أو ذاك.
أشرف الصباغ