بينما يرى ليبيون أن العودة للدستورية الملكية أحد الخيارات المتاحة الممكنة حاليا، يعتبر محللون سياسيون أن الوضع الحالي للأزمة الليبية يصعب معه العودة للملكية الدستورية بسبب تمسك أطراف داخلية وخارجية بأدوات التغيير.
طرابلس- أعاد الأمير محمد السنوسي، نجل ابن ولي عهد ليبيا السابق حسن الرضا السنوسي (في عهد الملك إدريس) طرح مبادرة العودة إلى النظام الملكي، واعتماد الملكية الدستورية للخروج من الأزمة بعد تأجيل الانتخابات.
ومنذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، تنظم منظمات محلية متعلقة بحراك “عودة الدستورية الملكية” احتفالا خاصا بيوم استقلال ليبيا، للتذكير بأهمية العودة للدستور الملكي كونه حلا للأزمة الحالية.
ويقدم موالون للأمير محمد الحسن الرضا السنوسي الدستور الليبي لعام 1951، ويعتبرون أنه قدم حريات سياسية واجتماعية واسعة ويحقق استقرارا للشعب وحلا واضحا لمشاكل الحكم والسلطة التي تعاني منها البلاد.
ويرى سياسيون مناصرون للأسرة الملكية أن النظام الملكي الدستوري سيكون المنقذ من الفوضى التي تعيشها البلاد، خاصة وأن “ولي العهد الشرعي” بعيد عن التجاذبات السياسية، ولم يتورط في أي حرب، ولم تتلطخ أيديه بالدماء في الساحة الليبية، كما يقولون.
لكن آخرين يرون أن ولي العهد السنوسي لا يظهر كثيرا لليبيين، وهو بعيد عن المشهد السياسي، ولم يتدخل في حل الأزمات الخانقة التي تعصف بالبلاد.
الدولة الدستورية
ويرى رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال، أشرف بودواره، أن أساس دعوات الأمير السنوسي للمشروع هو إعادة الدستور الليبي الشرعي والقانوني النافذ لعام 1969 كنقطة بداية في طريق العودة إلى حالة الدولة الدستورية.
ويرى بودواره أن العودة إلى شكل نظام الحكم الملكي المنصوص في الدستور مهم جداً لإيجاد مرجعية ضامنة لتجنب المشاكل التي تعصف بالوطن، فنصوص دستور المملكة أثبتت توازنها وقوتها وملاءمتها للهوية الليبية، ودورها الحاسم في نشر العدل وأفكار السلام والتسوية والاندماج والثقة بين الليبيين، على حد قوله.
وقال للجزيرة نت إن الملكية الدستورية قادرة على إدارة الشأن الليبي بشكل دستوري، وإنهاء الصراع السياسي على السلطة والمال والانقسام، والجدل حول الانتماءات الحزبية والشخصيات السياسية.
وأردف “بما أن نظام الحكم في الدستور ملكي وراثي دستوري، وليس مطلقا، فإن صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد الحسن السنوسي يمثل نظام الحكم فيه وفقاً لشرعيته القانونية والدستورية، وسيكون رمزاً ومظلة لكل الليبيين وضماناً لوحدة البلاد واستقرارها وأمنها”.
وحسب بودواره فإن غياب مشروع واضح لمستقبل ليبيا، والعجز عن التوافق بمبادرة واقعية تساعد على الخروج من الأزمة السياسية الراهنة بمبادرة حقيقية يلتف حولها الليبيون، أدى إلى تعالي الأصوات في ليبيا من أجل عودة الملكية الدستورية، نتيجة الانقسام السياسي والصراع بين الأطراف.
وأشار إلى أن ولي العهد الأمير السنوسي شخصية توافقية يجتمع عليها الليبيون “لعدم تورطه في الدم الليبي أو في الصراع على السلطة والمال، ولم يشترك في الفساد المستشري، إضافة إلى تواصله مع الليبيين في الشرق والجنوب والغرب، ومتابعته عن كثب الصراع والأزمة بالبلاد”.
أسرة محددة
من ناحيته، اعتبر عضو المنظمة الليبية للدعوة إلى الشرعية الدستورية، الأمين الشتيوي، أن بعض الليبيين يرون في العودة للدستورية الملكية أحد الخيارات المتاحة الممكنة حاليا رغم حالة الاستقطاب والانقسام الحاد في الشارع الليبي تجاه عدة قضايا.
وقال الشتيوي للجزيرة نت “ولي العهد يملك من الإمكانيات والدراية بالشأن الليبي ما يؤهله لتقلّد زمام الأمور، ولديه رؤية واضحة بهذا الشأن محليا ودوليا”.
وحسب الشتوي، فالأمير محمد لا يتواصل مع الأطراف المتدخلة سلبيا في الأزمة الليبية، بل ينآى بنفسه عن كل التجاذبات ويقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، ويحظى بشعبية تستند إلى عمق اجتماعي لدى العديد من المكونات الليبية.
ويشير إلى أن الأسرة السنوسية تجمع الأمير محمد الحسن كوريث شرعي لولاية العهد وفق الدستور الملكي ومراسيم وأوامر الملك إدريس، والمحدد فيه أعضاء البيت المالك المتمثلين في شخص الملك وولي عهده وأبنائه، مع باقي أفراد الأسرة السنوسية وهم مواطنون عاديون.
الأزمة لا تسمح
بدوره، يرى المحلل السياسي موسى تيهوساي أن الوضع الحالي للأزمة الليبية يصعب معه العودة للملكية الدستورية بسبب تمسك أطراف داخلية وخارجية بأدوات التغيير في الساحة.
وأضاف تيهوساي للجزيرة نت “بلا شك هناك شريحة واسعة من الليبيين يريدون العودة للملكية الدستورية، وهذا مطلبهم لما يرون أنها عودة للتهدئة والاستقرار”.
ويشير إلى أن التأثير في المشهد السياسي الليبي يتطلب قوة خشنة لفرض أية رؤية، وهو ما يجعل من عودة الملكية أمرا صعبا للغاية، خصوصا أن أغلب الأطراف التي لديها القوة لن تقبل بالملكية الدستورية.
لكنه قال إن الأطراف غير القابلة بدعوات العودة إلى الملكية الدستورية ستفقد نفوذها وسطوتها وقواها التي تضمن لها البقاء في المشهد وإعادة إنتاج نفسها كل مرحلة.