ينشر موقع CNN بالعربية هذا التحقيق بالتعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج” التي أشرفت وقدمت الدعم لإنتاجه.
أجرى التحقيق: هدى حسوان
“عند النطق بالحكم أحسست أن ابنتي قد اغتصبت من جديد”، هكذا تصف والدة إحدى ضحايا الاغتصاب في المغرب شعورها تجاه الحكم الصادر ضد مُغتصب ابنتها، في ظل جدل حقوقي وبرلماني وقضائي حول ظروف تخفيف الأحكام في جرائم الاغتصاب.
جاء هذا التحقيق بعد تتبع على مدار 6 أشهر لأربع حالات تعرضن للاغتصاب، وبحث في سجلات 44 واقعة اغتصاب وهتك عرض بين عامي 2014 و2018، تراوحت العقوبات بين السجن 7 سنوات والحبس 3 أشهر مع وقف التنفيذ.
ارتفعت نسبة قضايا الاغتصاب المسجلة في المغرب في عام 2017 إلى 1230 قضية، بزيادة بلغت نحو 3% تقريبا عن 2016، بحسب رئاسة النيابة المغربية.
ينص القانون المغربي على معاقبة المغتصب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات، وتشدد العقوبة لتصل إلى 20 سنة في حالة افتضاض الضحية. أما إذا كانت الضحية قاصرا، فيعاقب الجاني بالسجن من 10 إلى 20 سنة. وتشدد العقوبة في حالة الافتضاض لتصل إلى السجن 30 سنة.
كما ينص القانون المغربي على معاقبة من هتك عرض قاصر بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات، وفي حال استخدام العنف تشدد العقوبة إلى 10 سنوات.
في مارس/ آذار عام 2017، قدم 10 أعضاء بمجلس النواب المغربي مشروع قانون لتشديد عقوبة الاغتصاب ولم يتم البت فيه. وتواصلت معدة هذا التحقيق مع وزارة العدل المغربية حول أسباب تأخر تعديل القانون لكن لم تتلق ردا.
وترى الناشطة النسوية المغربية عائشة الحيان أنه “لا يجب أن يفرق القانون بين هتك العرض والاغتصاب، سواء باستخدام العنف أم لا، ولا بوجود افتضاض من عدمه”. وقالت إن “الافتضاض يعد ظرف تشديد ويجب توحيد المصطلحات القانونية، أي اعتداء تتعرض له الأنثى يعد بالنهاية اعتداء يمس ذاتها وسلامتها. يجب أن يكون هناك نص قانوني يمنع القاضي من اللجوء إلى ظروف التخفيف في جرائم الاغتصاب، يجب أن تكون العقوبات رادعة لإنصاف الناجيات”.
وأكد رئيس غرفة الجنايات الاستئنافية يوسف العلقاوي أنه “يجب حذف أي نصوص قانونية تشير إلى رضا القاصر في قضايا هتك العرض”. وقال إن “الهدف الأساسي من العقوبة ليس فقط القسوة على الجاني، بل إبعاده عن الضحية وتحقيق الردع العام قبل الردع الخاص”.
محاولة انتحار
إحدى ضحايا الاغتصاب، ونقدمها هنا باسم مستعار هو “أسماء” حفاظا على هويتها”، حاولت الانتحار بعد ما تعرضت له.
وتحكي أسماء، التي كانت تبلغ من العمر 15 عاما عند اغتصابها، قصتها قائلة: ” “”أمرني بخلعِ ملابسي، وعندما رفضت قام بصفعي، ثم بدأ بخلع ملابسي وهددني قائلا إن صرختِ فلن يسمعكِ أحد. لم تكن تربطنا أيَّ علاقة، هو فقط يسكن في نفس الحي. حاول كثيرًا إدخالي إلى بيته بالقوة. يومها استغل غياب والدته واستعان بصديقه، واغتصبني، وضربني وهددني بفضحي وتشويه سمعتي إن أخبرت أحدا”.
وأضافت: “لم أخبر أحدا بالواقعة ورسبت في دراستي. بعدها، بدأت قصة الاغتصاب تنتشر في المنطقة التي أعيش فيها، فقررت أن أنتحر بعد أن شوهت سمعتي، كنت خائفة من ردة فعل عائلتي. أنقذتني عائلتي من الانتحار، وفي المستشفى أخبرت والدي بحادثة الاغتصاب، قُبض على الشاب وشريكه بعد ذلك”.
اغتصاب من جديد
قالت والدة أسماء إن “أم الشاب زارتني عندما قبض عليه، واقترحت أن نزوجهما ونطلقهما على الفور، رفضنا ورفضت ابنتي الأمر، كيف نزوجها ممن اغتصبها؟!”. وأضافت: “اتهمت جهة التحقيق الشاب باغتصاب ابنتي القاصر وافتضاض عذريتها، واتهمت صديقه بالمشاركة في الجريمة. في المحاكمة الأولى عوقب كل من المتهمين بالحبس سنة وتعويض مالي قدره 1000 دولار”.
وتابعت بالقول: “لكن بعد الاستئناف بُرأ الشريك، أما من اغتصب ابنتي فقد أعيد توصيف اتهامه من جناية اغتصاب قاصر نتج عنه افتضاض إلى جناية اغتصاب عرض قاصر بدون عنف نتج عنه افتضاض، وخفف الحكم من الحبس من سنة إلى الحبس ١٠ أشهر. يومها عند النطق بالحكم أحسست أن ابنتي قد اغتصبت من جديد”.
وقالت أسماء: “اضطُررنا إلى مغادرة الحي، لقد حُكِم عليه بعشر أشهر حبس وتمت تبرئة شريكه، أما أنا فقد تدمرت حياتي، أنا اليوم أغادر منزلي، كان لدي طموحات في الحياة، لكن بعد صدور الحكم فقدت الرغبة في الحياة”.
هتك عرض
فاطمة، اسم مستعار لضحية أخرى تعرضت لهتك عرض، تقول: “كنت أبلغ من العمر 16 سنة عندما اغتصبني، كنت أدرس وقتها، والآن توقفت عن الدراسة، هو يبلغ من العمر ٢٢ سنة. قادني إلى مكان بعيد ومخيف وقام باغتصابي من الخلف، شعرت بالخوف، واستطعت الهروب منه ولجأت إلى الشرطة. أمام جهات التحقيق، اعترف بفعلته لكنه أنكر استخدام العنف وزعم أن الأمر تم بموافقتي”.
وأضافت فاطمة: “أمام المحكمة، عُدل الاتهام ضده من هتك عرض قاصر باستخدام العنف إلى هتك عرض قاصر دون عنف، وعوقب بالحبس سنة واحدة، يُنفذ منها ٨ أشهر وإيقاف التنفيذ في باقي المدة”.
وقالت والدة فاطمة: “يوم النطق بالحكم شعرت بالصدمة، أريد حق ابنتي فقط، نظمت عدة وقفات احتجاجية وقدم المحامي استئنافًا على الحكم، أمام محكمة الاستئناف عُدلت عقوبة مغتصب ابنتي فاطمة، بالحبس النافذ لمدة سنتين”.