
قُدّر عدد سكان العالم في عام 1950 -أي بعد خمس سنوات من إنشاء الأمم المتحدة– بما يقرب من 2.6 مليار نسمة.
وقد ظلت المنظمة الدولية تنذر كل فترة من خطورة التزايد المستمر لعدد سكان العالم مقابل محدودية الموارد المتاحة أصلا للبشر، لضمان حياتهم واستقرارهم.
إذن، المفهوم الذي توصله لنا الأمم المتحدة هو أننا نواجه خطر انفجار سكاني لا تستطيع الموارد المتوفرة تلبيته، وبالتالي لا بد من وضع الخطط وبذل الجهود للحد من هذا الخطر بل مجابهته.
وتعليقا على هذه الإحصاءات والتحذيرات الأممية، يقول الخبير الأميركي والباحث الاجتماعي المناهض للإجهاض ستيفن موشر، إن هذا المفهوم تم غرسه فينا منذ الصغر، وقال لنا معلمونا إن العالم يشبه “زورق نجاة صغيرا” علينا أن نخفف العبء عنه كي لا يغرق، فإن غرق فسنموت جميعا.
ويشير الباحث الأميركي -في مقال له- إلى ما سماه “سيناريو آل غور” نائب الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، يتحدث عن أن هناك “ثقبا أسود” سيغرق فيه العالم كله إن لم نتوقف عن إنجاب الأطفال.
الهند من الدول الأكثر سكانا في العالم (رويترز) |
نتيجة الحد من النسل
لكن الأمر الذي يستحق التفكير -بحسب موشر- هو ماذا يمكن أن يحدث إذا تخلى الجميع عن الإنجاب؟ فقد تبين أن الكثير من الشباب باتوا يفعلون ذلك فعلا ولا يفكرون في أن تكون لهم ذرية.
إن الذي يتخيله الناس الآن هو أن الأرقام البشرية في ازدياد مضطرد، ويتحدثون دائما عن الانفجار السكاني؛ ولكن بنظرة فاحصة لما هو حولنا -وخصوصا في أوروبا- فإن الثابت هو أن عدد من يموتون الآن أكثر من عدد المواليد الجدد.
ندرة الولادة التي بدأت في أوروبا ما بعد الحرب امتدت الآن إلى كل ركن من أركان العالم، فالصين تحتضر والهند وأميركا اللاتينية تتقدمان في العمر بسرعة، في حين أن الشرق الأوسط بالكاد يمتلك قدراته الخاصة، وحتى في أفريقيا أحيانا تكون معدلات المواليد في تراجع بحسب الكاتب.
ويقول موشر إن الجميع معذور إن لم يكونوا يعرفون ذلك من قبل، لأن الأمم المتحدة تواصل تشغيل أسطوانة التحذير من الانفجار السكاني، وتقول إن عدد البشر سيصل إلى 9.5 مليارات بحلول عام 2050، بينما سيصل إلى 11 أو حتى 12 مليارا بحلول عام 2100.
هذا ما سيحدث بحسب قول الأمم المتحدة، لأن النساء سيعمدن في بعض البلاد -مثل ألمانيا وفرنسا واليابان لإنجاب المزيد من الأطفال، بل العديد والعديد منهم، رغم أن الأمم المتحدة ليس لديها أي دليل يدعم مثل هذا الادعاء الذي يبدو في حد ذاته محاولة يائسة لبث حياة جديدة في نظرية ميتة.
انخفاض عدد المواليد
هناك بيانات أخرى أكثر دقة موجودة في ملفات الأمم المتحدة -بحسب كاتب المقال- ولكن لأنها لا تتناسب مع نظريتها عن الانفجار السكاني، لذلك فإنها هي ووسائل الإعلام لا تذكرها كثيرا، وهذه البيانات تتحدث عن انخفاض معدلات المواليد في مناطق من العالم.
المتعلمات في المناطق الحضرية -مثل باريس أو لندن أو طوكيو- لا يرين حاجة لإنجاب أكثر من طفل واحد (أسوشيتد برس) |
مثل هذه الأفكار وغيرها هي التي تمهد لتسونامي شيخوخة يقترب من ضرب العالم، ليس فقط في أماكن مثل نيويورك وإنما سيمتد إلى ريو دي جانيرو ونيروبي كذلك، وسينتشر في كل أنحاء العالم.
سياسة الطفل الواحد ستؤدي إلى غلبة الشيخوخة على الشباب (غيتي إيميجز) |
ولفترة طويلة، كان ينظر إلى النمو السكاني على أنه العدو ولا سيما من قبل الذين لم يدركوا أنه كان المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي.
والآن، حين بات الشباب موردا نادرا، فإن انتشار الشيخوخة السريع وانحسار أعداد الشباب -وهم رأس المال البشري- سيفضي إلى تدمير التطلعات البشرية بصورة أكبر مما يمكن أن تفعله أي حرب نووية أو أي وباء عالمي.
من المعروف أن النمو السكاني عامل مهم لارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية والسيارات والمنازل وخلافها، والتناقص السكاني سينعكس سلبا بطبيعة الحال على هذه الأمور.
كما أن انخفاض معدلات المواليد في العالم سيقابله انخفاض في أعداد الأيدي العاملة مع مرور كل عام، بينما سينمو عدد المسنين، وحينها ستضطر البلدان إلى خفض معاشات التقاعد أو رفع سن التقاعد، وقد تنخفض مستويات المعيشة وتنكمش الاقتصادات.
فموشر يرى أن مشكلتنا ليست أن لدينا كثيرا من الأطفال، وإنما مشكلتنا هي أن عدد هؤلاء الأطفال ينخفض، “وهذا هو الثقب الأسود الحقيقي” الذي سيلتهمنا في العقود القادمة.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية