الجزيرة نت-تعز
في السابعة صباحاً من كل يوم يفتح الحاج اليمني محمد عبد الله دكانه الخاص ببيع المواد الغذائية في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، وأول خطوة يقوم بها هي الذهاب إلى المحلات التجارية المجاورة له بحثاً عن عملات معدنية ونقدية من الفئات الصغيرة (الفكة) التي اختفت خلال الفترات الأخيرة من السوق المحلية.
يقضي محمد (56 عاماً) نصف وقته في إقناع زبائنه بضرورة أن يشتروا بالنقود التي بقيت لهم أي شيء قد يحتاجونه، وذلك بسبب عدم قدرته على إعادة ما تبقى لهم نتيجة اختفاء الفكة من العملات المعدنية والورقية، الأمر الذي يُدخل أغلب البائعين في مشاكل مستمرة مع الزبائن يومياً.
ابتكار البدائل
إلى جانب الباعة في المحال التجارية، يواجه السائقون في المواصلات العامة مشكلة حقيقية في التعامل مع الركاب، ومن بينهم طلاب الجامعات الذين بالكاد يوفرون قيمة المواصلات، حسبما أوضحه الطالب في كلية الهندسة بجامعة صنعاء عبد الحكيم الحسامي، الذي قال إنه قبل الركوب يتأكد من السائق إن كانت لديه فكة كي يُرجع له باقي النقود.
إلى جانب الباعة في المحال التجارية، يواجه السائقون في المواصلات العامة مشكلة حقيقية في التعامل مع الركاب، ومن بينهم طلاب الجامعات الذين بالكاد يوفرون قيمة المواصلات، حسبما أوضحه الطالب في كلية الهندسة بجامعة صنعاء عبد الحكيم الحسامي، الذي قال إنه قبل الركوب يتأكد من السائق إن كانت لديه فكة كي يُرجع له باقي النقود.
وأمام هذه المشكلة، غالباً ما يجد البائعون والسائقون أنفسهم يلجؤون إلى اتخاذ بدائل مؤقتة، من بينها إعطاء الزبائن علكة أو قطعة شوكولاته أو أي سلعة تساوي قيمتها قيمة الفكة المتبقية.
ولكن هذا الحل قد يرفضه البعض ويصر على استعادة الفكة، ومن ثم قد يتحول الأمر إلى مشكلة حقيقية، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها إذ لم يعد هناك مجال للتفريط حتى في الفكة، وفقاً لعدد من المواطنين في حديثهم للجزيرة نت.
بعض الباعة يستعينون بالمتسولين في الشوارع الذين قد يكون لديهم بعض العملات المعدنية والفئات الصغيرة فيستبدلونها منهم بأوراق نقدية كبيرة.
ولا تقتصر أزمة السيولة على اختفاء العملات النقدية من الفئات الصغيرة، ولكن هناك مشكلة إضافية تهدد بتفاقم أزمة الريال اليمني وتتمثل في النقود التالفة، وهو ما تؤكده تقارير البنك المركزي اليمني الأخيرة التي تفيد بأن النقود التالفة تشكل 90% من حجم النقد المتداول في السوق، الأمر الذي يجعل الحكومة تلجأ إلى استبدال التالف من النقود بطباعات جديدة رغم التبعات التي قد تلحقها بسبب ذلك.
ولعل أبرز المشاكل التي أدت إلى وجود كل هذا الكم من الأموال التالفة هو إعادة البنك المركزي التابع لجماعة الحوثيين في صنعاء مليارات الريالات التالفة إلى السوق، الأمر الذي شكل ضربة للقطاع المصرفي في البلاد. وبحسب تقارير المركزي اليمني فإنه كان يستقبل ما بين 50 إلى 70 مليون ريال من النقود التالفة يوميا، وكانت آخر عملية إعدام للنقود (18 مليار ريال) عام 2013.
وبحسب مصادر في البنك المركزي اليمني تواصلت معها الجزيرة نت، فإنه يستعد لاستلام دفعة جديدة من النقود التي طبعت مؤخراً، وبينها فئة مئة ريال وخمسين ريال على شكل عملة معدنية بدلاً من الورقية خلال الربع الأول من العام الحالي، في محاولة منه لتغطية عجز السيولة وتوفير رواتب الموظفين الحكوميين.
هواجس ومخاوف
لكن خبراء في الاقتصاد تحدثوا للجزيرة نت أبدوا مخاوفهم من استمرار الحكومة في طباعة عملات نقدية جديدة، إضافة إلى ما تمت طباعته خلال العامين الأخيرين (أكثر من 800 مليار ريال)، وقالوا إن ذلك قد يساهم في مضاعفة انهيار الريال اليمني بعدما تراجع سعره إلى 520 ريالا للدولار خلال الأسابيع الأخيرة.
ويرى الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي أن هناك حالة واحدة تسمح للبنك المركزي بطباعة أموال جديدة دون أن ينعكس سلباً على قيمة الريال، وهي أن يذهب إلى استبدال النقود التالفة في السوق بطبعات جديدة فقط وليس أكثر من المتوفر، ويوزعها ويضخها بشكل منتظم وغير عشوائي إلى السوق.
هذه الخطوة وحدها -كما يفيد العوبلي- هي تسمح بتدارك أزمة السيولة وتجنب البنك المركزي الدخول في أزمة تضخم إضافية قد تؤدي إلى انهيار الريال مجدداً، خصوصاً في ظل التذبذب الحاصل في المؤسسات الاقتصادية اليمنية، وضعف سلطات الدولة في التحكم بالسوق المصرفي.
ووفقا للعوبلي فإن شح العملات الصغيرة وعدم توافرها في السوق يجبر التجار على رفع بعض أسعار السلع للتهرب من الوقوع في مشاكل متكررة مع المواطنين بسبب عدم وجود هذه العملات.
ويقول إنه كان من الأفضل للبنك المركزي أن يستبدل تدريجيا العملات القديمة والصغيرة التالفة بأخرى جديدة، دون الحاجة إلى إعلان أو تعريف الناس بالقيام بهذه الخطوة لكون ذلك إجراء روتينيا وطبيعيا.
المصدر : الجزيرة