ليس مجرد فضفضة.. هذه أبرز المفاهيم الخاطئة عن العلاج النفسي

772 ‎مشاهدات Leave a comment
ليس مجرد فضفضة.. هذه أبرز المفاهيم الخاطئة عن العلاج النفسي

يتخيل الكثيرون أن الذهاب إلى معالج نفسي لن يكون أفضل من التحدث مع صديق أو شريك الحياة! ويرجع هذا الافتراض لعدم الوعي بشكل جيد بالكيفية التي يتم العلاج النفسي بها وماهيته؛ فالمحادثة وتلقي بعض الإرشادات أحيانا ليست سوى جزءٍ صغيرٍ من تجربة العلاج النفسي، وبمجرد معرفة الاختلافات بين العمل مع المعالج والتحدث مع صديق، سيكون من السهل أن ترى كيف أن العلاج النفسي أكثر من مجرد دردشة مدفوعة الأجر مع شخص ما.

  

ينشأ سوء الفهم بين الفضفضة مع الأصدقاء والحديث مع معالج نفسي بسبب بعض الافتراضات الخاطئة عن العلاج النفسي، منها الافتراضات التالية:

   

العلاج النفسي ليس سوى التحدثِ لفترات طويلة: يكوّن غالبية الأشخاص انطباعاتهم عن العلاج النفسي من خلال وسائل الإعلام. عندما يشاهدون مشهد محادثة بين المعالج النفسي والعميل فهم يرَون فقط ذلك الجزءَ من عملية العلاج، مما يؤسس لاعتقاد أن ما يحدثُ لا يعدو كونه مجرد دردشة مدفوعة لا تُجدي. إلا أن الواقع مخالف لذلك، فالمحادثة بين المعالج والعميل هي وسيلة التواصل التي يعبر بها العميل عن مشاعره وأفكاره، ومن خلالها يستطيع المعالج مساعدته، حيث يندرج تحت عملية العلاج النفسي الكثير من الأساليب والتقنيات التي تساعد العميل على تخطي الأزمات النفسية مثل: تعلم إدارة المشاعر بطريقة أفضل، تحدي المعتقدات السلبية التي تؤثر على حياته، تعلم وجهات نظر جديد لرؤية المواقف والأشخاص، تعلم كيفية تحسين العلاقات الإنسانية وتجنب العلاقات الضارة، تحديد السلوكيات السلبية والإيجابية وكيفية اتخاذ القرارات الملائمة لحال الشخصية، محاولة فهم النفس وكيف يؤثر الماضي على الحاضر، الحد من أعراض المرض النفسي، تعلم التقنيات العلاجية المختلفة، إلخ. (1)

     

    

كيف يساعدني معالج لم يمر بتجربتي!: من الافتراضات الأخرى الشائعة التي تعزز عدم جدوى الذهاب إلى معالج نفسي “أنه لن يُدرك معاناتي لأنه ببساطة لم يمر بها، فكيف يساعدني معالج غيرُ متزوج في حل مشاكلي الزوجية؟” أو كيف يشعر بألمي طبيب لم يمر بمعاناتي؟ لا شك أننا بحاجة إلى الاطمئنان بحصولنا على المساعدة التي نحتاج إليها، ولكن لا بد أن نفصل بين خبرة الحياة والتدريب المهني، فالأساليب التي يقدمها المعالج النفسي تستند إلى أساس متين من العلم والتدريب المهني. ولتوضيح ما سبق، فإن حاجتك إلى جراحة في القلب لا تشترط وجود جرّاح مر بذات العملية التي ستمر بها كي يُجري لك الجراحة، ولكن الذهاب إليه في هذه الحالة يستند إلى ما يحوزه من خبرة مهنية، وكذلك الحال يتشابه حين الذهاب لطبيب نفسي.

  

العلاج النفسي لمن خرجت حياتهم عن السيطرة: لا نحتاج إلى الوصول إلى أزمة شديدة تحتّم علينا اللجوء لمعالج نفسي، فأحيانا يكون كل ما نحتاج إليه هو زيادةُ الثقة بأنفسنا في العمل أو العلاقات، أو تنامي حاجتِنا إلى تحسين مهارات التواصل أو التعايش مع بعض التغيرات الجديدة في نمط الحياة المتسارع والمضطرب، فكل منا يحتاج إلى أن يحافظ على صحته النفسية، والتي يتغير معها توازن الفرد في مختلف جوانب حياته، وبالتالي يُعد العلاج النفسيُّ دعما لتحسين الصحة النفسية وتحقيق التوازن في مختلف جوانب الحياة. (2)

     

يتميز بعض الأصدقاء بأنهم مستمعون جيدون، وأحيانا يقدمون نصائح ممتازة، ولكن المعالج النفسي يمتلك الخبرة الكافية التي تُمكّنه من العمل على تحسين صحتك النفسية دون المخاطرة بتدمير علاقاتك الشخصية، فالعلاقة العلاجية تختلف جوهريا عن علاقة الصداقة، وهذه بعض أوجه الاختلاف:

 

المعالج هو مهني مدرب باحترافية: يقول جولي دي أزيفيدو هانكس، وهو خبير في العلاقات ومؤلف كتاب “علاج الاحتراق: دليل البقاء العاطفي على قيد الحياة للنساء“: إن المعالجين يقضون سنوات من التعليم والدرجات المتقدمة في دراسة السلوك البشري وديناميات العلاقة، بينما الأصدقاء فلا. كذلك يتم تدريب المعالجين على الإنصات الفعال لفهم عملائهم وتشجيعهم على التفكير المستقل الذاتي وتسليط الضوء على نقاط الضعف التي تحتاج إلى تطوير، حيث يساعدك المعالج ويرشدك إلى تحسينها، بينما معظم الأصدقاء يسمعون ولكن لا يمنعون أنفسهم من الرد والتعليق كنوع من التفاعل، ولأنهم يفكرون بأن ذلك يساعدك أو يُحسّن من مزاجك.

 

المعالج النفسي ملزم قانونيا وأخلاقيا أن يحافظ على أسرارك آمنة: بالعموم، ووفق قواعد المهنة، فإنه عندما تذهب إلى العلاج فأنت تذهب إلى مكان آمن وداعم لاستكشاف الجوانب الذاتية التي قد لا تكون راغبا أو قادرا على استكشافها في إطار الصداقات أو العلاقات الشخصية الأخرى. على الرغم من أن الصداقات تستند بمجملها إلى الثقة وحفظ الأسرار، فإن معظم الأمور التي نشاركها في الجلسات العلاجية قد لا نشعر بالراحة حين مشاركتها مع صديق، فأثناء العلاج النفسي نمر بمرحلة حفر عميق فيما يخص خبراتنا السابقة، وعليه فإنه يسهل علينا أن نكشف طبقات ظلت مخفية عن الآخرين عندما نعلم أن أسرارنا محميةٌ في مكان آمن.

     

   

تصف هيببيرت، وهي مؤلفة كتاب “هكذا ننمو“، مرحلة العلاج النفسي بأنها واحدةٌ من أكثر التجارب القيمة في حياتها وتقول: “في أوقات المحاكمة الشخصية، كان العلاج مكانا أعرف أنه يمكنني أن أذهبَ إليه ولا أشعر أنني أتألم أو أصبح عبئا على أي شخص من خلال مشاركة أفكاري أو مشاعري الحقيقية”. وقد أشارت إلى العلاج على أنه “مرفأ آمن، ومكان يمكن أن أحصل فيه على ملاحظات صادقة، وبصيرة، ومنظورٍ مختلفٍ من شخص خارج دائرتي الداخلية”. (3)

 

لست بحاجة إلى الشعور بالذنب بعد التحدث مع معالجك وأخذ جزء من وقته: على الرغم من أن الأصدقاء يلعبون دورا في الدعم العاطفي، فإنك قد تشعر بالذنب عندما تتحدث معهم لوقت طويل، ليتبادر إلى ذهنك حينها أنك سبّبت لهم بعض الأعطال، كما تشعر بالذنب أحيانا حينما تصب كامل غضبك ومشاعرك على شخص غيرِ مدرب على التعامل مع تلك الأمور المعقدة، مما قد يُسبّب لهم بعض الضغط العصبي. أما مع المعالج النفسي فأنت تدفع تكلفة للحصول على خدمة المساعدة، ويمكنك التحدث عن نفسك خلال الجلسة دون الشعور بالذنب بعد ذلك.

   

المعالج النفسي يستطيع وضع الحدود الواضحة في العلاقة بينه وبين المريض: العلاقة العلاجية ليست مثل علاقة الصداقة، لأن المعالج والمريض لا علاقة إنسانية بينهما خارج غرفة الاستشارات. ومن القواعد الأساسية في العلاج النفسي أن يحافظ المعالج على الحدود المناسبة بينه وبين المريض. في الواقع لأن العلاج النفسي لن يعمل بكفاءة، ويمكن أن يكون ضارا دون رسم خطوط واضحة لهذه الحدود، والتي يشار إليها أحيانا باسم الإطار، مثل:

  

– لا يوجد اتصال جسدي مع المريض.

– لا علاقة مع مريض خارج غرفة الاستشارات.

– لا ينبغي للمعالج علاجُ الأقارب أو أصدقاء المريض.

– الحفاظ على الموضوعية والحياد تجاه المريض وتجنب الإفراط في القلق/التفكير في المريض.(4)

     

   

علاقة الصداقة الصحيةُ هي أخذ وعطاء، فإن أخذت أكثر من اللازم، قد يتحول ذلك إلى ضرر وشرخ في جدارن صداقاتك، فعندما تعتمد على صديقك كبديل للمعالج وتلجأ إليه دائما في أي وقت، قد يترك ذلك أثرا سلبيا على صديقك بمرور الوقت، بجانب أن هناك احتمالية مرتفعة دائما في أن يعطيك صديقُك نصائح قد لا يُوفّق فيها بعض الأحيان، أو أن تتجاهل نصيحته فيشعر بالاستياء لعدم أخذك بنصيحته، واحتمالات أخرى متعددة قد تضر في النهاية بعلاقة الصداقة بينكما عندما يتم تحميلها مسؤوليات أكثر مما تحمله.

    

بينما يتعلم المعالجون الكثير عن ميكانيزمات العلاقات الإنسانية، ويمكنهم مساعدتك في تعلمها. كما أنهم يعملون على مساعدتك لتفهم حقوق وواجبات الصداقة وما ينبغي أن تتوقعه منها، وهو ما يجنبك خيبات الأمل عندما يرتكب الأصدقاء بعض الأخطاء فتكون أكثر رضا وتسامحا في العلاقة.(5) في النهاية يكلفك العلاج النفسي بعض الأموال، لكنه في المقابل يعد استثمارا لأولئك الذين يشعرون باضطراب مسارات حياتهم بصورة لا يستطيعون معها التحكم بأبسط تفاصيلها.