وسط الأجواء الضبابية والمعاناة التي يعيشها النازحون السوريون في لبنان والأوضاع المعيشية الصعبة، تواصل دولة قطر تنفيذ المرحلة الرابعة من المساعدات الإنسانية التي تقدمها لمخيمات اللاجئين السوريين في شمال لبنان والبقاع الشرقي والشمالي، وذلك ضمن الجهود الإنسانية والإغاثية التي تقوم بها قطر.
تتضمن المرحلة الرابعة حملة “أسبوع الألبسة” التي باشرت بها فرق المساعدات القطرية والمخصصة لتوزيع الألبسة على النازحين السوريين في مناطق الشمال اللبناني، حيث التركز الكثيف للنازحين، بحكم قرب هذه المناطق من الحدود السورية، لتطال اليوم مناطق البقاعين الشرقي والشمالي.
وأكدت مصادر مشرفة على الحملة أنها تستهدف تغطية 200 ألف نازح ينتشرون في المناطق الشمالية بدءاً من مدينة طرابلس باتجاه قرى الضنيّة، وصولا إلى قرى وادي خالد الواقعة على الحدود الشمالية اللبنانية السورية، إضافة إلى قرى البقاع الشمالي من عرسال مروراً بالفاكهة حتى مشاريع القاع على الحدود الشرقية، على أن توزّع الألبسة على النازحين المتواجدين بكلّ القرى الواقعة في هذا النطاق الجغرافي، علماً بأن الحملة تطال أيضاً النازحين إلى بلدة عالية الشوفية.
وتعتبر هذه المناطق نقاطا ساخنة من حيث الأعداد الكبيرة للنازحين وتردي الظروف الاقتصادية والأوضاع المعيشية المقلقة لسكان هذه المناطق الفقيرة أصلا والناجمة عن الأعباء الإضافية التي يتكبدونها مع استمرار تدفق النازحين السوريين إليها، حيث يعانون ظروفاً معيشية صعبة، لذلك كان التركيز من قبل الفرق الإغاثية القطرية على هذه المناطق أساسا.
يأتي تواصل المساعدات القطرية في وقت أطلق فيه لبنان نداء استغاثة للدول العربية والمجتمع الدولي لمساعدته في عملية إغاثة النازحين السوريين إليه، بعد أن تخطت أعدادهم كلّ التوقعات. وتوقعت مصادر رسمية لبنانية أن يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان مليون شخص في ديسمبر من العام الجاري، أي ما يعادل 25 بالمائة من مجموع سكان هذا البلد الأصغر مساحة بين البلدان المجاورة لسوريا، يضاف إليهم 80 ألف لاجىء فلسطيني وافدين من مخيمات سوريا و49 ألف عائد لبناني، إضافة إلى 1،2 مليون لبناني من سكان المجتمعات المضيفة المتأثرة بشدّة بتدفق اللاجئين .. فيما تحتاج لبنان إلى 1،6 مليار دولار أمريكي لدعم مرافق الخدمات العامة الأساسية، في وقت حذر فيه مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان أن عدد النازحين الفارين من الحرب الدائرة في سوريا يتزايد بمعدل ينذر بالخطر.
وتستهدف حملة “أسبوع الألبسة” القطرية حوالي 200 ألف نازح سوري متواجدين في المناطق اللبنانية، علماً بأن الرقم مرشح للزيادة مع استمرار عمليات النزوح من الداخل السوري، إثر تصاعد أعمال العنف في الأسابيع الأخيرة بوتيرة غير مسبوقة، وتتضمن بحسب مصادر مشرفة على التوزيع، ألبسة صيفية مؤلفة من ملابس صيفية ومجموعة من المناشف لمختلف الأعمار والمقاسات.
وأوضحت المصادر أن الحملة تترافق أيضاً مع توزيع مجموعة من الألبسة الشتوية والأحذية، في خطة استكمالية لنشاطات سابقة، تهدف لتأمين مجموعة من الألبسة الشتوية كالمعاطف والجاكيتات والأحذية للنازحين الجدد الذين لم يستفيدوا سابقاً من حملات توزيع الألبسة.
وتحدث الناشط في مجال إغاثة النازحين السوريين طارق الحجيري عن حجم المساعدات التي توفرها قطر للنازحين السوريين إلى بلدة عرسال، واصفا إياها بـ “الضخمة والمميزة”، كونها مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام بشكل دوري ومتواصل ومتنوعة وتطال كافة احتياجات النازحين السوريين. وقال إن المساعدات القطرية لا تشمل الغذاء فقط، بل تتعداه إلى الألبسة، حيث وزعت في عرسال 10 آلاف حصة لأكثر من 3500 عائلة، تتضمن ملبوسات صيفية وشتوية وأحذية وقطنيات وغيرها من المستلزمات اليومية الضرورية للنازحين من مناشف وأوشحة وغيرها.
وأضاف أن أعداد النازحين السوريين إلى عرسال أصبحت كبيرة جداً، نظراً للتدفق اليومي والمطرد الذي تشهده البلدة منذ انطلاق معركة القصير وحتى اليوم، لأن عرسال هي الممّر الوحيد الآمن للسوريين الهاربين من اضطهاد “حزب الله” والمجازر التي يرتكبها بحق الشعب السوري في القصير، لذلك فإن أعداد النازحين مستمرة بالتزايد يومياً الى عرسال، التي أصبحت منازلها كلها مكتظة، وقد اضطررنا إلى نصب 200 خيمة داخل البلدة لاستيعاب النازحين الجدد”. وتتضمن حصة الألبسة لكل شخص 3 بزات صيفية مع ألبسة داخلية من القطنيات ومجموعة من المناشف، أما الألبسة الشتوية فتترافق مع أحذية، علماً بأن جميع المقاسات متوفرة ولكل الأعمار بدءاً من عمر سنة إلى أكبر الأعمار والمقاسات.
وتوجه الحجيري بخالص الشكر والامتنان إلى دولة قطرية قيادة وحكومة وشعبا على المكرمات التي غمرت بها الشعب السوري المضطهد، مؤكداً أن المساعدات القطرية تبقى رائدة بين مختلف المساعدات التي تصل إلى النازحين، ويؤكد هذا الأمر على الأرض الامتنان والمحبة من قبل النازحين السوريين تجاه دولة قطر.
وتغطي الحملة القطرية للألبسة مناطق البقاع من مشاريع القاع مروراً بالزيتونة والفاكهة والعين واللبوة إضافة إلى عرسال حيث التركز الأكبر للنازحين. وتمنّى أن تستمر هذه المساعدات للنازحين السوريين إلى عرسال التي تستقبل وافدين جدد وبشكل يومي.
وناشد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري الحكومة اللبنانية والمعنيين بموضوع اللاجئين السوريين تقديم المساعدات اللازمة إلى هؤلاء. وقال “إن قرابة ألف عائلة سورية وفدت إلى البلدة في الأيام الأخيرة، ليرتفع العدد الإجمالي داخلها إلى قرابة 5000 عائلة، ما يتخطى قدرة المجلس البلدي والأهالي .. مضيفا أنه تتمّ معالجة جرحى من المعارضة السورية في مستشفى ميداني داخل أحد المساجد في البلدة.
وفي جولة على النازحين السوريين إلى بلدة عرسال تتكشف حجم معاناة هذا الشعب وعمق امتنانه لدولة قطر، إذ يجمع النازحون على شكر قطر قيادة وحكومة وشعبا بالدرجة الأولى على موقفهم الإنساني الواضح بدعم الثورة السورية وحرية الشعب السوري، والذي ترجم بحسب هؤلاء حملات إغاثة داخل الأراضي السورية وخارجها في دول الجوار، وجهداً دبلوماسياً استثنائياً لوقف القتل والعنف على مختلف الأراضي السورية.
وقالت حسنا التي رفضت الإفصاح عن شهرتها بسبب الخوف من الانتقام، “هربت مع عائلتي من جحيم القصير واستضافني أهل عرسال الكرام رغم الاكتظاظ الذي تشهده البلدة، ورغم أنني أقيم في خيمة، إلا أنني أفضل هذا الواقع على الجحيم الذي عشناه في القصير، إذ ما زلت أسمع صوت القذائف والرصاص خلال نومي وكأنني ما زلت وسط المعارك”.
وتقدمت بالشكر إلى قطر على المساعدات التي وفرتها لعائلتها من لحظة دخولها إلى عرسال، وبشكل خاص الألبسة التي نفتقر إليها، إذ غادرنا منازلنا على وجه السرعة دون أمتعة أو ألبسة هرباً من آلة الحديد والنار”، معتبرة أن هذه المساعدات مدروسة كونها تغطي حاجات النازحين وتقيهم شرّ العوز، وهي تعبّر عن أخلاق رفيعة لشعب إنساني مميز لا يقبل السكوت عن الظلم”.
وأعرب أبو ياسين، الهارب من القصير، عن سعادته بالنجاة من الجنون الذي ساد البلدة، مؤكداً أنه يشعر بأمان وراحة وسط إخوانه اللبنانيين الذين استضافوه .. وعن المساعدات القطرية قال : لم أرَ يوماً مساعدات بهذا الكرم والتنوّع، فالمساعدات القطرية لم تقتصر على المواد الغذائية التي توزعها عادة معظم الجمعيات الإنسانية، بل تتوسّع لتشمل بدقة كلّ احتياجاتنا اليومية، فالشعور بوجود من يهتم لوضعك هو أمر جيد ورافع للمعنويات، في ظل تنامي أعمال القتل والإجرام التي يرتكبها النظام بحق شعبه، ونحن ندين ببقائنا اليوم لدولة قطر وأياديها البيضاء والخيرة.
كما عبر الطفل أحمد (13 سنة) عن شكره الكبير على الملابس التي حصل عليها مؤخراً في إطار حملة “أسبوع الألبسة القطرية”. وقال ” كنت مضطراً لارتداء ملابسي نفسها لعدة أيام لأنني لا أملك بديلا عنها، لكنني حصلت مؤخراً على كرتونة كبيرة من الملبوسات التي قدمتها لنا الفرق القطرية، وكانت بمثابة هدية كبيرة لي، إذ تضمنت مجموعة من الألبسة الصيفية والشتوية والأحذية، فضلا عن ملبوسات قطنية داخلية ومناشف، وهي بالفعل من النوعية الممتازة وأنا سعيد جداً بالحصول عليها”.
وتحدثت سكينة عواضة التي تلوم نظام الأسد على الدمار والقتل الجاري في سوريا، بحرقة عن تخاذل المجتمع الدولي والعربي تجاه ما يجري، ووصفت موقفهم من الأزمة في سوريا بالمراقب والمتفرّج على المذابح والارتكابات. وأكدت أن الموقف القطري كان الموقف العربي الوحيد المشرّف تجاه الأزمة السورية، وترجم دعماً مادياً ومعنوياً ودبلوماسياً للشعب والثورة السورية، مثمنة هذا الموقف الرائد الذي لم تجرؤ أي دولة أخرى على اعتماده خوفاً على مصالحها وعلاقاتها الدولية.
وتوقع مواكبون لحملة “أسبوع الألبسة” القطرية أن تتوسع الحملة لتتعدى الـ 200 ألف نازح سوري، نظراً للتزايد اللافت لأعداد النازحين إلى مختلف المناطق اللبنانية، والتي تطالها الأعمال الإغاثية تحديداً، علماً بأن الحملة قد تستمر زهاء الشهر ونيف لمواكبة الأعداد الكثيفة للنازحين في مختلف المناطق والبلدات في البقاع والشمال.
المصدر:الراية
http://bit.ly/11EpWmI