الجزيرة نت-خاص
يبذل منير (11 عاماً) جهداً كبيراً وهو يقف على صندوق خشبي يمكّنه من تقليب الخبز على الصاج المرتفع. وينتهي عمله عند الساعة 10 صباحاً، وقبل أن يغادر يحرص المدير على التأكيد عليه بالحضور مبكراً في الفترة المسائية.
وفي طريق عودته إلى المنزل، يمر على مدرسة “سبأ” حيث يصادف زملاءه وهم يغادرون المدرسة، خصوصا طارق الذي يخاطبه قائلا “أتمنى أن أصير مثلك، تكسب المال وتشتري هاتف جالاكسي إس 6” فيرد عليه بثقة “أخبر والديك بأنك تريد أن تعمل، قل لهم سأوفر كل يوم 500 ريال (0.75 دولار).
وجدت كلمات منير صدى لدى طارق الذي تعاني أسرته ضيق العيش، فتكاليف الدراسة شكلت عبئاً كبيراً على والده الذي يعمل نجارا بمتجر تضرر من أثر الحرب.
التحق طارق بصفوف جماعة الحوثيين، فهيئة شقيقيه الأكبر منه بشعرهما الطويل وسلاحهما الجديد أمور جعلته يتحمس لأن يظهر مثلهما.
ويقول منير للجزيرة نت إنه يشعر بالفخر بعد أن أصبح يعيل نفسه، بالإضافة إلى مساهمته بجزء من راتبه اليومي في تكاليف عيش أسرته.
ويقول إن والده الذي يعمل في إدارة المرور يعيش في وضع مالي صعب، مع انقطاع المرتبات الموظفين في القطاع الحكومي منذ عامين،
ولم يكن حال الطفل أنور حميد -الذي غادر قريته ذمار (وسط اليمن) قاصدا صنعاء من أجل العمل بصياغة الذهب- مختلفاً، ويقول “حال أسرتي صعب، كدنا نموت من الجوع” مضيفا أنه اتخذ قراراً لمساعدة أسرته للحصول على المال.
ويعمل حميد (15 عاماً) بصياغة الذهب، وتبدأ ساعات دوامه عند التاسعة صباحا وتنتهي الواحدة ظهراً، ليأخذ استراحة قصيرة للغداء، ومن ثم يعود للعمل في الثالثة بعد الظهر وحتى الواحدة من صباح اليوم التالي.
ويأمل الطفل -الذي ينحدر من قرية بمحافظة ذمار (وسط اليمن)- أن يستمر في عمله طول العمر حتى لا تجوع أسرته مجدداً، فهم كما يقول “عشنا ظروفا صعبة، أمي كانت تتلوى من شدة ألم الكلى، ولم نتمكن من شراء الدواء لها”.
المخلفات البلاستيكية مجال مفتوح لعمالة أطفال اليمن (الجزيرة) |
مستقبل مجهول
أما مازن (14 عاماً) فيتسكع مع أصدقائه في الشوارع، وهو يمنّي نفسه بالعودة إلى المدرسة، لكن الأوضاع تسببت في إحباطه مع أقرانه.
يصحو الصبي في وقت متأخر، ويظل يقضي أوقاته بألعاب الفيديو والاستماع للأغاني الأجنبية ومشاهدة الأفلام، فكما يقول إنه يسعى لتعلم الإنجليزية من الأفلام والأغاني.
ويقول “كنّا نأمل في عودة الدراسة لكن المعلمين متوقفون عن العمل، والدراسة شبه متوقفة ونحن الآن بلا مستقبل، كل ذنبنا أننا ولدنا في اليمن الموبوء بالحرب والمرض والموت”.
ومع بدء العودة إلى المدارس، فمن المتوقع أن يعود الطلاب إلى مدارسهم لكن نحو مليوني طفل بمختلف المحافظات خارج المدارس، حسب إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف) التي تعتبر أطفال اليمن أحد أكبر ضحايا هذه الحرب.
ويرى التربوي عبد الرحمن المقطري أن قضية الحرب والأوضاع الاقتصادية ألقت بظلالها على الأطفال، والدراسة أصبحت بيئة طاردة لهم، بينما “شكلت الحرب والجماعات المسلحة ومادياتها ثقباً أسود يلتهم الأطفال”.
ويضيف “بعض الأسر دفعت بأبنائها لسوق العمل، كما أن الإحباط من الدراسة يسيطر على الوضع النفسي للآباء والأطفال والمعلمين، فالمستقبل مجهول، والتفكير ينحصر في لقمة العيش، عدا ذلك يمثل ترفاً للعديد من الأسر”.
المصدر : الجزيرة