يرى نفسه ثوريا محترفا، ويراه الكثيرون إرهابيا خطيرا تمكن لأكثر من 20 عاما من الإفلات من قبضة العدالة، إنه كارلوس، المغامر الذي قاتل تحت راية ماركس وتقاعد تحت راية أسامة بن لادن.
تشرّب كارلوس واسمه الحقيقي إليتش تيمنا بلينين، الأفكار الماركسية في أقصى درجات تمردها من والده المحامي الميسور في العاصمة الفنزويلية كاراكاس حيث ولد عام 1949، ليقضي فيما بعد حياة حافلة بالمغامرات والمطاردات مارس خلالها “العنف” من أجل الثورة العالمية، وما يرافقها من شعارات براقة.
وباشر إليتش راميريز سانشيز التحضير للدور الأسطوري الذي أداه في العالم سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بتلقي دورة تدريبية في كوبا وهو في السابعة عشرة من عمره، ثم انطلق إلى مغامراته الكبرى التي جاب خلالها منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، ونفذ الكثير من العمليات الهجومية الخطيرة ضد أعدائه وأعداء حلفائه من المناضلين “الثوريين” العالميين بين عامي 1973 – 1992، وتمكن من الإفلات من أجهزة الاستخبارات التي تعقبته بلا هوادة لأكثر من عشرين عاما.
انضم كارلوس بداية السبعينيات إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأقام علاقات تعاون مع الجيش الأحمر الياباني والجيش الأحمر الألماني، وأتقن ست لغات، والأهم أنه أتقن العمل السري وأصبح الإرهابي “رقم واحد” للكثيرين في حقبة الحرب الباردة والمواجهة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.
ومن بين أخطر وأشهر العمليات التي تتصدر سجل كارلوس الحافل، اقتحامه مع خمسة مسلحين بينهم ألمانيان، اجتماعا لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في فيينا نهاية عام 1975 ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، واحتجاز 70 شخصا من بينهم 11 وزيرا ومندوبا.
وتمكن المهاجمون من الحصول على طائرة نقلتهم والرهائن إلى الجزائر، حيث أطلق سراحهم وتلقى كارلوس فدية مقدارها بـ 50 مليون دولار، وسلم نفسه للسلطات الجزائرية التي أفرجت عنه بعد عدة أيام.
وقبل هذه الحادثة، في شهر يوليو من نفس العام، كاد رجال الأمن الفرنسيون أن ينجحوا في اعتقاله في شقة بباريس، إلا أنه تمكن الإفلات وقتل ثلاثة رجال أمن ومخبر، بحسب شهادته، فيما تقول السلطات أنه قتل ضابطين فرنسيين ومخبر.
ويبدو أن انتهاء الحرب الباردة، وانحلال الاتحاد السوفيتي جعلتا الدوائر تضيق على كارلوس الذي لقب بابن أوى بعد أن عُثر ذات مرة في أمتعته على رواية فردريك فورسايت “يوم ابن آوى”، فلجأ إلى السودان بداية التسعينيات، حيث “باعه” المسؤولون هناك لفرنسا بحسب تعبير كارلوس، واقتيد إلى باريس بعد تخديره وتقييده، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في قضية قتل أعوان الأمن الفرنسيين أثناء مداهمتهم شقة كان يختبئ بها عام 1975.
ونقلت وسائل الإعلام الدولية عن مسؤول سوداني قوله في تبرير عملية تسليم كارلوس إلى فرنسا:”نحن استقبلناه مناضلا يقاتل من أجل قضية الفلسطينية وأهداف سامية، لكنه تحول إلى مشاغب يتصرف من دون حياء ويفرط في تعاطى الكحول ومعاشرة النساء، وأشك في أنه اعتنق الإسلام. وبما أن وجوده أصبح يمثل تهديدا لنا، فقد سلمناه من دون أي أسف، وبسبب سلوكه لا يستطيع اي أحد أن يلومنا على ذلك”.
أما هو فيقول إنه اعتنق الإسلام عام 1975 عشية عيد ميلاده 26 في معسكر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التابعة لجورج حبش في عدن باليمن الجنوبي، مضيفا “الجميع من حولنا كانوا مسلمين، وهم طلبوا مني أن أكون مثلهم كي أتمكن عند الضرورة من أن أدفع بهم إلى الجنة”.
واللافت أن “ابن آوى” احتفظ بعد اعتقاله برباطة جأشه، ولم يحد عن أفكاره الثورية العنيفة، ونقلت عنه في هذا السياق صحيفة “الباييس” الإسبانية قوله إنه غير نادم، وإذا أتيحت له الفرصة مرة أخرى، لفعل ما فعل لكن بطريقة أفضل!
وزاد على ذلك بالافتخار بأنه سجل رقما قياسيا في عدد العمليات الناجحة بين أعضاء المقاومة الفلسطينية الآخرين، وهاجم من سجنه الولايات المتحدة قائلا عنها إنها: “تتغذى على لحم الجنود القتلى”، مضيفا أن “أتباع ميكافيللي لديهم ثلاثة أنواع من الأسلحة، الكذب، وبي – 52، والمطبعة التي تخرج منها الدولارات”.
وتمكن عام 2003 من تهريب مخطوطة كتاب أنجزه تحت عنوان “الإسلام الثوري”، ضمنه الكثير من الأفكار “الثورية” المنقحة، وقال فيه عن الإسلام إنه “قوة عابرة للحدود القومية قادرة على الوقوف في وجه استعباد الأمم”.
كما وصف في مقابلات صحفية مختلفة أسامة بن لادن بأنه “أبرز مثال للنضال الثوري”، وعد هجمات 11 سبتمبر جزءا من الكفاح المسلح.
وكشف في مقابلة صحفية أجريت معه من سجنه أنه وآخرين من المناهضين لسياسات الولايات المتحدة فكروا عام 1991 في مهاجمة مركز التجارة الدولي بالقنابل انتقاما من واشنطن بسبب “الدمار الرهيب” الذي أصاب العراق خلال حرب الخليج.
محمد الطاهر