صرح القيادي في حزب العمال الكردستاني عكيد كلاري بأن 4 آلاف من مقاتلي الحزب يستعدون لخوض معركة تحرير مدينة الموصل، مؤكداً أن مشاركة الحزب ستكون عامل توازن في المدينة.
وقال كلاري إن أربعة آلاف مقاتل من قوات حزب العمال الكردستاني ستشارك في عملية تحرير الموصل، وأضاف أن القوات الحكومة العراقية والبيشمركة لا تستطيع تحرير الموصل بمفردها، بسبب واقعها الاجتماعي، ومكوناتها الدينية والمذهبية. وحذر كلاري من أن مشاركة تركيا في عملية تحرير الموصل قد تثير مشكلات بين مكونات المدينة، مشيرا إلى أن مشاركة حزبه ستكون عامل توازن في المدينة، لإبعادها عن الحساسيات الطائفية والقومية. وأضاف أن حزب العمال مستعد للتنسيق مع الأطراف كافة بشأن عملية تحرير الموصل، لافتا إلى أنه يتواصل مع العشائر ووجهاء المنطقة للتنسيق والتعاون معهم.
وقد تزامن إعلان الحزب عن جاهزيته للمشاركة في تحرير نينوى مع إعلان المبعوث الأمريكي الخاص بريت ماكورك أن معركة تحرير الموصل بدأت بقطع الطريق بين الرقة والموصل. وصرح ماغيرك، في 10 شباط/فبراير 2016، بأن عملية تحرير مدينة الموصل قد بدأت بالفعل، مبيناً أن التحالف الدولي يجري مشاورات للتنسيق مع قوات البيشمركة وقوات من أبناء العشائر، للإعداد الجيد للهجوم على “داعش” في الموصل.
وقد سبق أن صاحب هذا الإعلان المفاجئ من الحزب الكردستاني موجة من المواقف المتضاربة حول معركة تحرير نينوى، والأطراف المشاركة فيها. من بينها إصرار “الحشد الشعبي” على المشاركة في المعركة، وإعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي عن مشاركته.
على صعيد آخر، رفض مجلس محافظ نينوى مشاركة “الحشد”؛ إذ صرح رئيسه بشار الكيكي بأنه نظرا للانتهاكات، التي حصلت من بعض من وصفهم بالمندسين في صفوف “الحشد الشعبي” في محافظات أخرى من العراق كديالى وصلاح الدين، فقد قرر مجلس محافظة نينوى في جلسة استثنائية وبغالبية الأعضاء رفض مشاركة قوات “الحشد” في تحرير الموصل، لما تثيره هذه المشاركة من حساسية شعبية في محافظة نينوى.
ولنا أن نسأل هل إعلان حزب العمال الكردستاني هنا جاء للضغط على الأطراف المحلية والدولية لقبول مشاركة “الحشد الشعبي” في تحرير نينوى، أكثر مما هو لقبول مشاركة الحزب؟ فقد ذكر الخبير الأمني هشام الهاشمي أن ثلاث جهات ترفض مشاركة “الحشد” في معركة تحرير نينوى، وهم: مجلس محافظة نينوى، والبيشمركة، والتحالف الدولي. ولهذا، يشير الهاشمي إلى صعوبة مشاركة “الحشد الشعبي” في معركة تحرير المحافظة.
ويأتي هذا الإعلان في ظل وجود علاقة من نوع ما بين الحكومة العراقية وحزب العمال. فقد ذكرت مصادر أمنية في إقليم كردستان العراق أن قواتها ضبطت في يناير/كانون الثاني الماضي شحنة أسلحة قادمة من بغداد، ومتجهة إلى جبال قنديل في شمال العراق، حيث يرابط مقاتلو الحزب. وكشف مسؤول في وحدات الدفاع عن سنجار والتابعة للحزب عن اتفاق الحزب مع الحكومة العراقية على توفير أسلحة لمقاتليه. وربما كان يشير هذا إلى ترابط من نوع ما بين إعلان حزب العمال الكردستاني جاهزيته لمعركة نينوى، وبين أجندة حكومة بغداد الخاصة بمشاركة “الحشد الشعبي”.
ويبقى هنا أن نسأل -إذا كانت هناك حساسية شعبية من دخول قوات “الحشد” إلى نينوى، ورفض رسمي من مجلس محافظتها، كما صرح بذلك رئيس المجلس، علما أن “الحشد” عراقي، ومرتبط برئيس الوزراء العراقي؛ فكيف سيكون الموقف من إعلان حزب العمال الكردستاني هذا، ولا سيما أنه حزب كردي تركي وليس حزبا عراقيا، بل ومصنف ضمن الجماعات الإرهابية لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا؟
والملفت في إعلان الحزب تأكيده أن مشاركة أنقرة ستثير مشكلات بين مكونات المحافظة. وهذا ربما كان إشارة صريحة إلى أن لإعلان حزب العمال ارتباط بعلاقة الحزب بالحكومة التركية أكثر من ارتباطه بتحرير نينوى. ذلك أنه يقاتل الحكومة التركية في مناطق الجنوب الشرقي التركي، ذات الغالبية الكردية.
وربما أراد حزب العمال الكردستاني بهذا الإعلان نقل حربه مع تركيا من داخل تركيا إلى نينوى، كما حصل ويحصل في جبال قنديل مثلا. أو لعله يريد الضغط لإخراج تركيا من بعشيقة، ومنعها من لعب أي دور في معركة تحرير نينوى، خاصة أنه في ذلك قد يتناغم مع إرادة حكومية عراقية بضرورة انسحاب القوات التركية من بعشيقة، وهذا ما قد يخدمه في ظل تقاطع المصالح وتعارضها في معركة تحرير نينوى، التي يبدو أنها أصبحت معركة إقليمية ودولية مثلما إنها معركة محلية.
والجدير ذكره هنا أيضا، إن حزب العمال الكردستاني، ورغم تصنيفه إرهابيا في أمريكا والاتحاد الأوروبي وتركيا، فقد شارك في قتال “داعش” شمال سوريا؛ كما شارك في معركة تحرير سنجار، رغم عدم موافقة حكومة إقليم كردستان العراق. وربما أدى ذلك بالقوات الأمريكية إلى التعامل مع الحزب ميدانيا كأمر واقع.
والسؤال هنا هو -هل يريد حزب العمل الكردستاني إثبات أنه ليس منظمة إرهابية بإعلان جاهزيته للمشاركة في تحرير نينوى من قبضة “داعش”؟ وهل إعلانه هذا هو رسالة إلى الإدارة الأمريكية لرفعه من قوائم الإرهاب؟ وهل ستنجح الولايات المتحدة في التعاطي العملي مع الحزب سواء في نينوى أو في شمال سوريا لأجل دفعه ربما إلى التفاوض من جديد مع حليفتها تركيا، بدلا من قعقعة السلاح، التي تجري بين الطرفين؟
كل ذلك ممكن، ولا سيما أن للحزب علاقة متعثرة مع تركيا، التي تشهد علاقتها هي الأخرى مع واشنطن توترا بسبب سياسة الاحتواء المزدوج، التي تمارسها الولايات المتحدة مع تركيا من جهة، ومع حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى.
كل ذلك يشير إلى أن إعلان الحزب عن جاهزيته للمشاركة في تحرير نينوى قد خلط الأوراق، وحمل رسائل متعددة، منها: جس نبض ردود أفعال الأطراف كافة، وبالون اختبار، وورقة ضغط محلية وإقليمية ودولية.
فهو يدفع ربما إلى مشاركة “الحشد الشعبي” في تحرير نينوى أكثر منه لمشاركته هو في عملية التحرير من جهة، ومن جهة أخرى فهو يدفع باتجاه أن تسحب تركيا قواتها من بعشيقة أكثر مما هو لشيء آخر. ولعله يساوم الولايات المتحدة لترفعه من قوائم الإرهاب، وتقبل به حليفا محليا في قتال “داعش”.
وأخيرا قد يؤدي إعلان حزب العمال جاهزيته لتأخير انطلاق المعركة المتأخرة أصلا، خاصة أن هذا الإعلان قد يزيد من حالة الانقسام السياسي، التي تعيشها أطراف “التحالف الوطني” العراقي. وحتى يتحقق أحد أو بعض هذه الاحتمالات، أو كلها، فإن تطورات معركة نينوى والرقة قد تثبت ذلك أو تنفيه، ولكل حادث حديث.
عمر عبد الستار