المال والمصالح طوقا نجاة السعودية من دم خاشقجي

538 ‎مشاهدات Leave a comment
المال والمصالح طوقا نجاة السعودية من دم خاشقجي

الآن بعد أن اعترفت المملكة العربية السعودية بأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي كان مؤامرة مع سبق الإصرار والترصد داخل قنصليتها في إسطنبول، فإن السؤال المطروح هو: كيف يمكن أن يؤثر قتل صحفي مقيم في الولايات المتحدة من قبل ممثلين لدولة حليفة على العلاقات طويلة الأمد بين السعودية والولايات المتحدة؟

ويحاول مقال طويل نشره موقع “بز فيد نيوزا” الإجابة عن هذا السؤال، بقوله إن العلاقات الأميركية السعودية واجهت أزمات كبرى من قبل وتجاوزتها، وذلك بسبب شبكة من العلاقات المالية والمصالح المتداخلة التي تترك للولايات المتحدة حافزاً ضئيلاً لمعاقبة السعوديين.

تحدث الرئيس دونالد ترامب علانية عن تقديره للمال السعودي، وقال بعد أسبوعين فقط من اختفاء خاشقجي داخل القنصلية السعودية “لقد كانوا حليفًا عظيمًا لي”، وأضاف “إنهم يستثمرون مبالغ هائلة من الأموال”.

وطالب 11 عضوًا بمجلس الشيوخ الأميركي في خطاب بالتدقيق الكامل في العلاقات المالية بين الرئيس والمملكة، والتي تعود إلى عام 1991 على الأقل، عندما باع ترامب يختًا إلى أمير سعودي.

يمكن العثور على المال السعودي في جميع أنحاء واشنطن، وأعرب أعضاء الكونغرس والموظفون في الكونغرس عن استيائهم من القضية، لكنهم شاركوا طويلاً في الباب الدوار من المجلس التشريعي إلى الشركات التي تعمل لصالح المملكة العربية السعودية، وتدفع الملايين لجماعات الضغط والمحامين لتمثيل المملكة في العاصمة الأميركية.

المبالغ التي أنفقت مسجلة في ملفات وزارة العدل المطلوبة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.

مراكز الأبحاث
كما تدفع السعودية ملايين الدولارات الأخرى لمراكز الأبحاث المؤثرة، التي يقدم باحثوها الدراسات للصحفيين والمشرعين على حد سواء.

وغالباً يكون موظفو الحكومة والأعضاء السابقون في الكونغرس على قوائم الرواتب السعودية.

فقد سجلت شركة هوجان لوفيلز للمحاماة أعمالها نيابةً عن السفارة السعودية في الصيف الماضي مقابل مبلغ شهري قدره 125 ألف دولار (كانت الشركة عملت أيضاً مع السفارة عامي 2016 و2017). اعترف متحدث باسم الشركة بذلك دون مزيد من التفصيل.

وهناك شركة محاماة أخرى تسمى كينغ وسبالدينغ، بدأت هذا الصيف الماضي أعمالها مع وزارة الطاقة السعودية بعقد قيمته 450 ألف دولار لفترة ثلاثين يومًا وفقًا لرسالة إلكترونية مضمنة في ملف الشركة لدى مكتب تسجيل الوكلاء الأجانب.

شركة ضغط وعلاقات عامة أخرى تسمى “بي جي آر” أوقفت عقدا بقيمة ثمانين ألف دولار في الشهر مع السعوديين بعد اختفاء ومقتل خاشقجي. لكن العملاء الأجانب المسجلين رسميا في واشنطن ليسوا المستفيدين الوحيدين من المال السعودي. العام الماضي، افتتحت سيتي غروب مكتباً في العاصمة السعودية الرياض.

وكانت شركة الاستشارات “ماكنزي”، التي يوجد مكتب لها في الرياض، واجهت انتقادات مؤخراً لكتابتها تقريراً للحكومة السعودية تسبب في كشف معارضي الحكومة السعودية البارزين على الإنترنت.

قضية خاشقجي
منذ أن ظهرت قضية خاشقجي إلى العلن، قالت عدة مراكز أبحاث في واشنطن إنها أعادت تقييم علاقتها مع المملكة العربية السعودية.

وأعلن كل من معهد الشرق الأوسط ومؤسسة بروكينغز، وكلاهما من أصحاب النفوذ في الشرق الأوسط، أنهما سيضغطان لمنع قبول المزيد من الأموال السعودية بعد أن اعترفا بقبول المال السعودي في الماضي، على الرغم من أنهما لم يكشفا عن المبالغ التي حصلا عليها.

منظمة بحثية مؤثرة أخرى، هي مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، أكدت أنها ستستغني عن تسعمئة ألف دولار كان من المقرر أن تحصل عليها من تطوير المهارات المهنية لموظفي السفارة السعودية في واشنطن ابتداء من ديسمبر/كانون الأول.

وقال المتحدث باسم المركز أندرو شوارتز في رسالة بالبريد الإلكتروني ردا على استفسار من موقع بزفيد “في ضوء مقتل جمال خاشقجي لن نمضي قدما في هذا كما هو مخطط”.

توقعت مؤسسات أخرى أنه لن يكون هناك أي تغيير في سياساتها. المؤسسة العربية، التي يقودها من جانب المواطن السعودي علي الشهابي، قالت إنها قبلت أموالاً من مواطنين سعوديين في الماضي، ولن تقوم بإجراء تغييرات على كيفية قبول ومراقبة تمويلها؛ رغم اعتراف الحكومة السعودية مؤخرا بمقتل خاشقجي.

كما تلقت شركات وادي السليكون أموالا سعودية أيضا، ويستثمر الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال في تويتر منذ عام 2011.

وأبرمت شركتا أوبر وليفت صفقات مع مستثمرين سعوديين، كذلك استثمرت المملكة مليار دولار في شركة لوسيد المنافسة لشركة تسلا للسيارات والطاقة.

ووضعت المملكة، من خلال صندوق الاستثمار العام، أموالها في شركة دورداش لخدمة التوصيل، وشركة سلاك لنظام المراسلة.

لقد أشعرت العلاقات الأميركية السعودية اللصيقة الكثيرين بالإحباط، لا سيما أن الأسباب الإستراتيجية التي كانت تقود العلاقات، والقائمة على ضمان عدم انقطاع إمدادات النفط الخام أصبحت أقل أهمية الآن مما كانت عليه في الماضي.

رغم المواقف الأميركية المتشددة في قضية خاشقجي فإن إدارة ترامب تؤكد علاقاتها القوية مع الرياض (الأناضول)

الحفاظ على العلاقات
حتى عندما تقدمت المملكة العربية السعودية عام 1973 المنتجين العرب في قطع النفط عن الولايات المتحدة احتجاجا على الدعم الأميركي لإسرائيل ضد مصر وسوريا، مما أدى إلى حدوث انكماش اقتصادي كبير في الولايات المتحدة، فقد نجت العلاقة.

ففي عام 1975، وقعت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية عقوداً بقيمة 2 مليار دولار، كما انحازت السعودية إلى جانب الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان عامي 1979 و1980.

نشرت الولايات المتحدة قوات في عام 1990 في عملية درع الصحراء، ظاهريا لحماية المملكة العربية السعودية من أي غزو عراقي محتمل بعد احتلال الرئيس العراقي صدام حسين الكويت.

ويقول السناتور كريس مورفي، وهو ديمقراطي من كونيتيكت وعضو لجنة العلاقات الخارجية وهو من منتقدي السعودية، إنه “قبل ثلاثين عامًا، كانت هناك أسباب وجيهة جدًا للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قائمة في الأساس حول النفط. ويضيف “اليوم، لا تملك الولايات المتحدة مخاوف النفط نفسها، بعد عقود من الاعتماد على الشرق الأوسط للنفط، أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط في العالم”.

في عام 2017، أنتجت الولايات المتحدة 14.46 مليون برميل من النفط يومياً، متجاوزةً المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه انخفضت واردات الولايات المتحدة من النفط السعودي إلى 943 ألف برميل في اليوم، وهو أدنى مستوى منذ عام 1988. لكن العلاقة لا تزال قوية ودون تغيير إلى حد كبير، كما يقول مورفي، على الرغم من الأدلة على أن السعودية دعمت وصدرت التطرف والإرهاب.

وقال السناتور مورفي “لقد ضعفت الأسباب الرئيسية لتحالفنا، وزاد التهديد الذي تمثله السعودية للولايات المتحدة”. لكنه لا أحد لاحظ هذا التغيير في واشنطن، ويرجع ذلك -من وجهة نظر مورفي- إلى حد كبير إلى ملايين الدولارات التي تنفقها السعودية سنوياً، وهو ما يكفي للتظاهر بأن التغيير لم يحدث على الإطلاق.

جماعات الضغط
وكتب أناند غيريدهاراداس -وهو مستشار وصحفي سابق في ماكينزي- كتاباً عن الطريقة التي تعمل بها النخب في جميع أنحاء العالم، بعنوان: الفائزون يأخذون كل شيء”، إن السعودية ليس أمامها خيار سوى أن تنفق الكثير على جماعات الضغط في واشنطن.

ويقول أناند “دعونا نتخيل أنك في مأزق إدارة سمعة المملكة العربية السعودية في العالم، تخيل ما سيكون عليه يومك.. أنت في حاجة إلى كل يوم، كل ساعة، كل ثانية تدافع عما لا يمكن الدفاع عنه… تحتاج إلى أن تشرح قطع الرؤوس بالسيف وربما خداع عدد كافٍ من الناس أو رشوة ما يكفي منهم لأجل الصمت حيال ما هو واضح أمامهم”.

ويضيف “هناك أموال سعودية في كل مكان، لقد قاموا بالدفع لجماعات الضغط المليئة بموظفي الكونغرس والمسؤولين الحكوميين السابقين”.

وقال غراهام، إن 15 سعوديا المشاركين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تلقوا دعماً من الحكومة السعودية أثناء وجودهم في الولايات المتحدة.

وأضاف “أعتقد أن 11 سبتمبر/أيلول هو مثال صريح على غدر السعوديين، لأن هذا الحادث يثير السؤال المتكرر حول لماذا لم نتعامل مع الحقائق التي نعرفها ونبلغ قيادة السعودية بأن أفعالهم لا يمكن تحملها، وسنتخذ خطوات قوية قد تشمل أشياء مثل إنهاء مبيعات الأسلحة لهم”.

وقال غراهام “أعتقد أن ما حدث مع الصحفي هو فصل في كتاب متعدد الفصول، لأننا لم نعلن بصدق ما نعرفه عن تورط السعودية، ولم نتخذ أي إجراء لإيقافه”.

وأشار إلى دعوى قضائية قدمتها عائلات لضحايا 11 سبتمبر/أيلول ضد السعودية، لكن الولايات المتحدة بذلت كل ما في وسعها لإبقاء هذا التقاضي بعيد المنال.

وفي نظر البعض الذين يراقبون العلاقة مع السعودية، فإن زيارة ترامب لها كان نقطة التحول. وقال مورفي أعرف أن السعودية مهمة، لكنها لا تستحق أن تكون أول وجهة زيارة للرئيس الأميركي.

وفي عام 2015 وحده، استأجرت المملكة خمس شركات للضغط والعلاقات العامة. جدد مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي السعودي عقده مع مجموعة بوديستا، وهي شركة ضغط بارزة عملت لصالح بنك روسي ومع بول مانافورت، رئيس حملة ترامب السابق الذي أدين في وقت سابق هذا العام بالتزوير، والتهرب الضريبي، وغيرها من الرسوم. استمرت مسيرة العلاقات العامة عندما عين الملك سلمان ابنه محمد بن سلمان وليا للعهد.

كثير من الكتاب والسياسيين الأميركيين يتغاضون عن الانتهاكات التي تقوم بها السعودية في اليمن (رويترز)

الإشادة بولي العهد السعودي
وفي عموده بصحيفة نيويورك تايمز في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أشاد الكاتب توماس فريدمان بولي العهد السعودي، وأشار مرة واحدة فقط إلى اليمن، حيث تسببت الحرب السعودية هناك في قتل آلاف المدنيين. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل أربعة آلاف مدني على يد تحالف عسكري بقيادة السعودية تدعمه الولايات المتحدة في اليمن.

قبل زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن في ربيع عام 2018، بثت شبكة “سي بي أس” مقابلة مع الأمير الذي يعمل في وقت متأخر من الليل. وعندما وصل إلى أميركا، جلس لمقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك”، وذهب إلى ستاربكس مع رئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ، كما قام بنزهة في مقر فيسبوك مع مارك زوكربيرغ.

أما الحوادث المقلقة التي كانت تتكشف في السعودية وأماكن أخرى فلم تنل إلا القليل من التغطية؛ ففي عام 2017، سجن الأمير محمد بعض أفراد العائلة المالكة السعودية وشخصيات رفيعة في فندق ريتز كارلتون لشهور.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استدعى الأمير الشاب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى المملكة وأجبره على الاستقالة. وفي يونيو/حزيران من العام نفسه بدأت المملكة العربية السعودية وحليفتها الإمارات العربية المتحدة حصاراً على قطر لم يتم حله بعد (ورد أن وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون أوقف خطة سعودية لغزو قطر).

ومع ذلك، تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية سليمة. لا تزال الولايات المتحدة توفر الدعم في مجال الوقود والدعم الفني لحرب المملكة في اليمن، مع تصريح وزير الخارجية مايك بومبيو للكونغرس الشهر الماضي بأن السعودية والإمارات تتخذان خطوات لتقليل خطر إلحاق الأذى بالمدنيين.

عندما طردت السعودية السفير الكندي بعد تغريدة ناقدة في أغسطس/آب الماضي، أكدت الخارجية الأميركية أن البلدين شريكان، ويجب أن يحلا خلافهما دبلوماسيا.

جدل في الكونغرس
في الكونغرس، هناك جدل حول كيفية المضي قدما في أعقاب اختفاء ومقتل جمال خاشقجي، حيث دعا البعض إلى فرض عقوبات بموجب قانون ماغنيتسكي، الذي يسمح للحكومة الأميركية بمعاقبة الأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

وقال وزير الخارجية بومبيو الثلاثاء إن إدارات الخارجية والخزانة ستنظر إذا كانت العقوبات التي استهدفت 12 سعوديا مناسبة، وأعلن أن هؤلاء السعوديين سيتم إلغاء تأشيرات من لديهم تأشيرات أو جعلهم غير مؤهلين للحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. لكن الكثيرين ينظرون إلى تلك الخطوات على أنها لا تؤدي إلى شيء.

من جهته، يقول السيناتور الجمهوري راند بول للصحفيين في وقت سابق من هذا الأسبوع “أعتقد أن العقوبات وسيلة للتظاهر بفعل شيء ما.. أنا لا أدعو لعزل المملكة العربية السعودية عن العالم… أنا أؤيد فقط عدم مساعدة السعوديين وتحريضهم، وهذا يعني التعبير عن الغضب من الدعم السعودي للتطرف، وسحب الدعم للحرب في اليمن، ووقف توفير الأسلحة”.

من وجهة نظر مورفي فإن “السعوديين على استعداد للكذب علينا. فعلوا ذلك لمدة أسبوعين. قالوا لنا خاشقجي غادر… استغرق الأمر منهم أسبوعين للاعتراف. من المنطقي أنهم كذبوا علينا أيضاً حول ما يفعلونه داخل اليمن”.

مع ذلك، اعترف مورفي بأن الولايات المتحدة من غير المرجح أن تقوم بتغيير كبير في سياستها تجاه المملكة العربية السعودية، وذلك جزئيا لأن عزل إيران، عدو السعودية اللدود، هو المفتاح الرئيسي لسياسة ترامب الخارجية.

ويرى مورفي “أن الكثير من السياسة الخارجية الأميركية، خاصة داخل الحزب الجمهوري، هي ضد إيران. أعتقد أن هذه سياسة سيئة، لكن هذه النظرة العالمية لن تتغير، وهذا يعني أن الكثير من الناس سيستمرون في عقلنة هذه العلاقة اللصيقة”.

المصدر : الصحافة الأميركية