لماذا تعاني أوروبا من موجة حر قاسية؟

720 ‎مشاهدات Leave a comment
لماذا تعاني أوروبا من موجة حر قاسية؟

غلين ماك غريغور*-موقع كونفرسيشن 

أصبحت حرائق الغابات والجفاف وارتفاع درجة الحرارة محور حديث الناس في الدول الأوروبية هذا الصيف، وتحول الانتباه الآن إلى البرتغال وإسبانيا، حيث وصلت درجات الحرارة في عطلة نهاية الأسبوع إلى أكثر من 46 درجة مئوية ببعض مناطق البلدين، ويقترب هذا الرقم من الرقم القياسي الأوروبي الذي يبلغ 48 درجة والمسجل في اليونان عام 1977، فما الذي تسبب في موجة الحر وهل هي نذير للمستقبل؟

بإمكاننا تحديد بعض العوامل المسببة، ومنها دفء سطح الماء بشكل غير اعتيادي في شمال المحيط الأطلسي، وتيار الهواء المتدفق وما يرتبط به من ارتفاع الضغط الجوي، وسطح الأرض الجاف للغاية، وأخيرا التغير المناخي.

منطقة سيلفر في البرتغال تشهد حريقا في الغابات بسبب ارتفاع درجة الحرارة (رويترز)

تسبب حجم وموقع مناطق المياه الدافئة في شمال الأطلسي هذا الصيف في دفع ما يسمى بالواجهة القطبية جهة الشمال، وهي النقطة التي يلتقي فيها التيار الدافئ من الجنوب مع الهواء القطبي البارد، وتؤثر أي حركة للواجهة القطبية على نسبة توزيع الضغط الجوي المنخفض والمرتفع عبر الأطلسي، مما يؤثر بدوره على تدفق التيارات الغربية القادمة من الأطلسي باتجاه غرب وجنوب أوروبا، خاصة التيارات النفاثة السريعة في طبقات الجو العليا.

وهذا الصيف، تكونت منطقة ضغط عال مستمر فوق أوروبا الغربية وشرقي الأطلسي، وأدت إلى تكوّن تيار نفاث بطيء إما شمال أو جنوب موضعه الطبيعي بسبب منطقة الضغط العالي.

وبالنتيجة، تتسبب منطقة الضغط العالي والتيارات النفاثة في توقف مرور تيارات الضغط المنخفض المحملة بالحرارة إلى شرق أوروبا وتظل في الغرب والجنوب. وفي تلك الحالة، تتوقف التقلبات الجوية للطقس بين الجيد والسيئ بشكل كبير. وبدلا من ذلك، بالنظر لما تعايشه إسبانيا والبرتغال وأجزاء كثيرة من أوروبا، تصبح السماء صافية ويكون الجو حارا والأسطح جافة للغاية.

وفي ظروف معينة، قد تتسبب مناطق الضغط الجوي المرتفع في جلب المزيد من التيارات الدافئة من مكان آخر. وهذا ما حدث في البرتغال وإسبانيا، فقد تسببت الحرارة الشديدة في تشكل منطقة ضغط منخفض وخلق الظروف المناسبة لتدفق الهواء الجاف الساخن قادما من الصحراء الكبرى، حيث لا تشبه الحياة في إسبانيا والبرتغال الحياة في فرن وحسب، بل تشبه الحياة في فرن حراري.

شواطئ البرتغال تزدحم بالمصطافين الهاربين من الحر (الأوروبية)

حرارة أعلى بالجانبين
ليست موجات الحرارة في إسبانيا والبرتغال ظاهرة نادرة، فهذا النوع من الطقس من سمات مناخ الصيف الحار والجاف في مناطق البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك هناك دليل مقنع على أن موجات الحر تتكرر في البرتغال وإسبانيا أكثر من ذي قبل. منطقيا، يبرز التساؤل عن مدى ارتباط موجة الحرارة الحالية مع ظاهرة التغير المناخي.

رغم أن الإجابة على هذا السؤال بشكل شامل ستعني إجراء بعض التجارب على نماذج مناخية مختارة بدقة، فإنه من الآمن القول إن هناك فرصة كبيرة لارتباط موجة الحر الحالية بتغير المناخ، لأن موجات الحر الحالية تعود لارتفاع درجات الحرارة عالميا، وازدادت معها فرص وقوع الظواهر المناخية القاسية عما كانت عليه قبل عصر الصناعة.

أما السؤال الذي يطرحه الجميع الآن، وهو: هل ستكون هذه الظواهر المناخية المتطرفة شيئًا اعتياديًا؟ فجوابه المختصر: لا. على الأقل ليس الآن، فارتفاع درجة الحرارة لأكثر من 46 درجة ظاهرة نادرة. ومع ذلك، تشير التحليلات بشأن موجة الحر التي ظهرت عام 2003 في إسبانيا والبرتغال أن مثل هذه الظاهرة ستكون شائعة بحلول الأربعينيات من القرن الحالي.

يثير هذا التحليل التساؤلات حول إمكان العيش في المناطق التي تتسم بالفعل بمناخات صيفية قاسية. غالبا يعتمد هذا على المدى الذي نستطيع أن ندفع به الاستراتيجيات التقليدية للتكيف مع المناخ، كطرق البناء وأساليب العيش، إلى حدودها القصوى للتعامل مع مستقبل مناخي جديد حيث ستكون درجات الحرارة في الصيف العادي فوق الأربعين درجة، ويعتمد أيضا على مدى مرونة الأشخاص والشركات مع فكرة الانتقال لمكان آخر، أو الاختباء -حرفيا- تحت الأرض في الصيف.